معضلة تشكيل الحكومة في السودان : بين التوافق والكفاءة الوطنية

صدى الوطن
آدم أبكر عيسي
يمرّ السودان بمرحلةٍ بالغة الصعوبة، تتسم بحربٍ دمّرت بنيته التحتية، وفرضت عليه الولايات المتحدة عقوباتٍ بذريعةٍ واهية، تهدف في الحقيقة إلى إرضاء أحد حلفائها الإقليميين. يواجه رئيس الوزراء تحدياتٍ هائلةً في تشكيل حكومةٍ توافقيةٍ قادرةٍ على ترجمة الأهداف إلى واقعٍ ملموسٍ للشعب، مع اختيار كفاءاتٍ عاليةٍ تتمتّع بالقدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، فضلاً عن التحديات الخارجية المتعلقة بعلاقات السودان مع محيطه الإقليمي والدولي. لقد خلّفت الحرب دماراً هائلاً في المرافق الحيوية كالماء والكهرباء والمستشفيات، ونهب المنازل ودمار المرافق الخدمية ، وتوقّف التعليم، في ظلّ ندرة الموارد. يتطلّب هذا الوضع تقويةً للنظام السياسي مع إجراء حوار عميق وشفاف مع كل شركاء الوطن (معركة الكرامه) ليكون أكثر قدرةً على تحمل مسؤولياته، وقد حدّد رئيس الوزراء أهدافاً واضحةً للحكومة تتمحور حول معيشة المواطنين، والأمن، والصحة، والتعليم.
أولوية الكفاءة الوطنية فوق المحاصصة:
لتحقيق هذه الأهداف، لا بد من اختيار كفاءاتٍ نزيهةٍ من أبناء الوطن، مع مراعاة اتزان مرآة حقيقية تجسد كافة الوان الطيف السوداني الجغرافي. وايضا مع مراعاة الخبرة والوطنية، ووضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار حزبي أو محاصصة سياسية. يجب الأخذ بعين الاعتبار إجراء الدراسات اللازمة لتنفيذ الخطط والبرامج المراد تحقيقها خلال المرحلة الانتقالية. عانت البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية من أداءٍ ضعيفٍ، مصحوبٍ بفسادٍ في بعض الأحيان، نتيجةً لافتقار الخبرة في المناصب ذات الصبغة السياسية. ورغم وجود بعض الوزراء الذين تميّزوا بالولاء والإخلاص ، إلا أنهم عجزوا عن إحداث تقدمٍ ملحوظٍ في الشأن العام، لغياب رئيس الوزراء . الأمر الذي يبرز أهمية اعتماد معايير موضوعية في تقييم الأداء العام. مع الابقاء علي الوزراء الذين اثبتوا قدرات في العطاء والعمل إبان الحرب .
تحديات مرحلة ما بعد الحرب: إعادة بناء الوطن وتحقيق السلام الاجتماعي:
تتطلب المرحلة الحالية رؤيةً وحكمةً لإدارة اقتصاديات الحرب، وجذب الاستثمارات الأجنبية لإعادة البناء، ودعم القوات المسلحة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية لتحرير بقية أجزاء الوطن. يتطلّب الأمر أيضاً تهيئة الأجواء في المدن المُحرّرة لضمان عودة النازحين واللاجئين، وتوفير الخدمات الأساسية والأمن، خاصةً في ظلّ انتشار السلاح. يُشكّل تحقيق السلام الاجتماعي بين مكونات الشعب تحدياً كبيراً، يتطلب العمل على منع الإفلات من العقاب، ومعالجة المظالم، ومكافحة الخطابات التحريضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يحتاج هذا الجهد إلى عملٍ دؤوبٍ من الحكومة لبناء الوئام والسلام الاجتماعي.
أهمية اتفاقية جوبا للسلام:
يُمثّل تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام، بكافة بروتوكولاتها، تحدياً رئيسياً لا يقتصر على تشكيل الحكومة بنسبة 25% فقط، بل يتعدّاه إلى كافة جوانبه، بدءاً من الأقاليم إلى الولايات، ومعالجة الثغرات في مسائل الحكم، والقضايا القومية، وإصلاح الخدمة المدنية. إنّ تنفيذ الاتفاقية هو الطريق نحو الاستقرار، ودمج القوات حركات الكفاح المسلحة في جيشٍ وطنيٍّ موحّد، مع نهاية الحرب. يجب أن تبدأ عملية إنشاء آليات الدمج مع بداية تشكيل الحكومة، وتشكيل المفوضيات الخاصة بذلك.
إنّ تشكيل حكومةٍ توافقيةٍ وكفؤةٍ في هذه الظروف يُمثّل ضرورةً وطنيةً ملحّةً، تتطلب رؤيةً ثاقبةً، وإرادةً سياسيةً قويةً، لتجاوز العقبات، وإعادة بناء السودان.