أوقفوا الحرب قبل أن تُوقفكم دماء الأبرياء رؤية مُستلهمة من طرح الدكتور الشفيع خضر سعيد

زهير عثمان حمد
أيها العقلاء في السودان، ويا من تغمضون أعينكم في هذا العالم : هل تنتظرون حتى تصبح الخرطوم ركامًا تسير فوقه الأقدام؟ هل تصمتون حتى يُدفن آخر طفل جائع في وطنٍ كان يُغنّي : يا سودان لا تنزف … لا تنزف؟
ليست هذه حربًا تُحسم، بل وطنٌ يُمحى. كل طلقة تُطلق لا تقتل فردًا فحسب، بل تجهز على حلم، على مستقبلٍ كان يمكن أن يُزهر. ليس هناك منتصر، فالهزيمة توزّعت بالتساوي على وجوه الأطفال الهاربين، على أمهات المدن المحترقة، على ذاكرة شعبٍ يُمحى من دفاتر الأيام.
إنه انتحار جماعي بأيدينا، لا صراع سلطة. وتحت أنقاض المنازل التي تحولت إلى مقابر، لا تجد الموتى فقط، بل الجوعى، والمرضى، وسرقة ما تبقى من دواء وضمير.
ثمّة أسئلة لا يجوز تأجيلها أكثر، تأجيل الإجابة عنها ليس حيادًا بل تواطؤ مع الكارثة. مصير الجيش والميليشيات لا يمكن أن يظل لغزًا، لأن البديل هو أن يتحول السودان إلى غابة مُسلحة لا قوانين لها. العدالة الانتقالية ليست رفاهًا قانونيًا، بل صيانةٌ لأرواح الضحايا من أن تتحول إلى أرقام منسية في تقارير بلا ذاكرة.
أما البُعد الخارجي، فهو اليوم لعنة تحاصر البلاد من كل الجهات. أصبح السودان ساحة مفتوحة لمبارزات الجيران، وأحيانًا الأعداء. والتحايل على تفاصيل العملية السياسية لن ينجب إلا مزيدًا من الحلول الهشة التي تكرّس الفشل.
النجاة ليست أمنية، بل مسؤولية. إنها رؤية ثلاثية يجب أن تُنفذ كمن يتنفس:
أولاً : وقف إطلاق النار الفوري
من السذاجة أن نثق في وعود المتحاربين بعد أن تلطخت أياديهم بالدم. لا بد من رقابة دولية صارمة، وإلا استمرت المذبحة تتنكر كل مرة بوجه جديد.
ثانيًا : فتح ممرّات الحياة
الإغاثة لا تنتظر التسويات السياسية. الطريق إلى الخبز والماء والدواء يجب أن يُفتح تحت حماية قوات محايدة، وإلا أكلت المجاعة من تبقى من الأرواح.
ثالثًا : حكومة التكنوقراط
ما نحتاجه ليس توافقًا سياسيًا مزيفًا، بل عملية جراحية لا تعرف التخدير. نريد كفاءات مستقلة، لا هوية لها إلا السودان، تُنعش الجسد قبل أن تُجمّله.
هذه ليست أوهامًا بل دروس من التاريخ الأفريقي القريب. رواندا لم تنهض إلا بعد أن بدأت بالمصالحة الصادقة لا توزيع المناصب. وجنوب أفريقيا لم تبنِ مستقبلها على الثأر، بل على عدالة انتقالية تعترف وتُطهر. من لا يتعلّم من مآسي الآخرين، يجهّز المأساة
التالية لنفسه.
لكي لا تسقط الرؤية في فخ التنظير، لا بد من آلية تنفيذ جادة. نقترح لجنة من حكماء السودان، لا وجوه سياسية مستهلكة، بل عقول محترمة ومستقلة كالدكتور الشفيع خضر سعيد. مهمتهم الوحيدة أن يُرمموا جدار الثقة المهدم بين الشعب وأطراف الصراع.
خارطة الطريق يجب أن تكون متزامنة:
يبدأ المسار بوقف فوري لإطلاق النار تحت رقابة الأمم المتحدة، تتلوه مباشرة خطوات عملية : دخول شاحنات الإغاثة، محاسبة من ينهب قوت الناس، نزع سلاح الميليشيات أو إعلانها تهديدًا عالميًا، وأخيرًا تكوين حكومة كفاءات تطهّر الدولة من سرطان الولاءات والانتماءات الضيقة.
لكن احذروا. إن لم يُسمع صوت العقل الآن، فالسودان يسير نحو استقطاب عرقي سيحوّله إلى كانتونات متناحرة. خطاب الكراهية سيدمر ذلك النسيج الاجتماعي الذي صمد قرونًا. والشعب الجريح، سينتحر في قوارب تهرب به إلى البحار المجهولة.
هذه ليست صرخة يأس، بل صوت الحكمة من قلب الألم. الدم الذي يُسفك اليوم سيكون جدارًا عازلًا بينكم وبين كتب التاريخ. أما صوت الحكماء – من أمثال الدكتور الشفيع – فسيبقى شاهدًا، لا يتقادم، في ضمير الأمة.
“أوقفوا الحرب قبل أن تُوقفكم سجلات الجلادين”
واذكروا أن من يُطفئ شمعة واحدة في العتمة، خيرٌ ممن ينتظر الضوء ولا يمدّ يده.
“لا تنزفْ يا سودانُ … لا تنزفْ” – لأننا ما زلنا نؤمن أن الغد ممكن.
اعلم يا زهير انك توجه خطابك لكائن فريد من البشر ، من أكثرهم لؤما لا يعرف، بضم الياء، له هوية فصار مثل اللقيط و من أكثرهم فوضى بسبب أصله الوضيع . هذا هو سبب اشتعال النيران التي تحرق السودان. هؤلاء دعهم للهلاك فالوطن لابد أن يصير رماد اولا حتى تعود اليه الحياة مجددا