مقالات وآراء

لماذا يخشى النظام المصري السودان – ويسعى لتقويضه

د. احمد التيجاني سيد احمد

 

لطالما نظر النظام المصري – الذي تهيمن عليه

 نخبة عسكرية متحالفة تحالفًا وثيقًا مع رأسمالية المحسوبية – إلى السودان ليس w سيادة، بل كحديقة خلفية تابعة له. هذا التفكير الإمبريالي، المتجذّر في الإرث الاستعماري والقلق الجيوسياسي، لا يزال يحدد موقف القاهرة تجاه السودان. ومع اشتداد الحرب والانقسام في السودان، أصبحت أدوار مصر في تعميق الأزمة أكثر وضوحًا وإثارة للقلق.

 

منذ اندلاع الصراع السوداني في أبريل ٢٠٢٣م، تخلّت مصر عن أي ادعاء بالحياد. فبدلاً من لعب دور الوسيط الإقليمي، دعمت القاهرة القوات المسلحة السودانية (SAF) وبقايا النظام الإسلامي السابق. ورغم التصريحات العلنية التي تزعم دعم “الاستقرار”، تشير الأفعال الفعلية لمصر إلى استراتيجية خفية قائمة على المصالح الذاتية.

 

تشير تحقيقات من مصادر مثل Africa Intelligence (٢٠٢٣) وMiddle East Eye (٢٠٢٤) إلى تقديم مصر دعمًا عسكريًا ولوجستيًا للقوات المسلحة السودانية، بما في ذلك السماح بمرور شحنات أسلحة عبر مجالها الجوي، واستضافة مشاورات استراتيجية مع جنرالات سودانيين. وفي بعض الحالات، يُقال إن مصر نفذت ضربات جوية مباشرة على أهداف في الخرطوم وولاية النيل الأبيض ومناطق نزاع أخرى – وهو انتهاك صارخ لسيادة السودان وللقانون الدولي. وقد دمرت هذه الضربات بنى تحتية حيوية، بما في ذلك جسور ضرورية لحركة المدنيين والوصول الإنساني.

 

اقتصاديًا، استغلت القاهرة الفوضى. وفقًا للجنة الطوارئ الاقتصادية السودانية (٢٠٢٤م)، تم تهريب أكثر من ١٥ طنًا متريًا من الذهب إلى مصر خلال المراحل الأولى من الحرب – وهو ذهب حيوي لاقتصاد السودان المنهار. تحدث هذه العمليات غير القانونية عبر طرق تهريب حدودية محمية بشبكات رسمية وغير رسمية، وغالبًا ما تتورط فيها جهات حكومية.

 

وفي الوقت ذاته، تعزز وصول مصر إلى المنتجات الزراعية السودانية – بما في ذلك الفول السوداني والصمغ العربي والسمسم والماشية. يتم شراء هذه المنتجات بأسعار بخسة في ظل ظروف الحرب، ثم يُعاد تصديرها كمنتجات مصرية، مما يعزز ملف التجارة المصري على حساب السودان. هذا التربح من الحرب يكشف الطابع الاستغلالي للتدخل المصري.

 

وما هو أسوأ، أن النظام المالي السوداني تعرّض لتخريب مقصود عبر تداول عملة مزوّرة. أكدت تقارير انتشار أوراق نقدية مزيفة من فئة الألف جنيه سوداني مصدرها مصر، مما سرّع من وتيرة التضخم وأضعف الثقة في العملة الوطنية.

 

لكن خوف مصر من السودان لا يتعلق فقط بالذهب أو الاقتصاد. إنه خوف وجودي وسياسي. فالخطر الحقيقي الذي يهدد النظام المصري يكمن في إمكانية نشوء سودان ديمقراطي ناجح – قائم على الحكم المدني، والفيدرالية، والتعددية، والتنمية العادلة. مثل هذا السودان سيشكّل نقيضًا جذريًا للنموذج الاستبدادي المصري، وقد يلهم المصريين للمطالبة بالإصلاح.

 

ولمنع ذلك، تسعى مصر إلى إحباط التحول السوداني. تخشى من سياسة خارجية سودانية مستقلة، خاصة فيما يتعلق بحقوق مياه النيل. إن سياسة مصر في الهيمنة على ملف النيل – والتي تعود لعقود – تعتمد على حرمان الدول الواقعة على أعالي النيل، بما في ذلك السودان، من حصص عادلة في مياه النهر. وأي حكومة سودانية تطالب بإعادة التفاوض بشأن هذه الحصص تهدد سردية الأمن القومي المصري.

 

هيمنة القاهرة على السياسة السودانية ليست بالأمر الجديد. فمنذ استقلال السودان عام ١٩٥٦م، دعمت مصر كل الأنظمة الاستبدادية في الخرطوم – من الجنرال عبود وجعفر نميري إلى عمر البشير، والآن عبد الفتاح البرهان. لم تكن هذه التحالفات من باب التضامن، بل كانت استراتيجيات لمنع التحركات الديمقراطية في السودان التي قد تشجع على تغييرات مماثلة في مصر.

 

وقد كشفت الهشاشة في هذه العلاقة في أكتوبر ٢٠٢٤م، حين قامت قوات الدعم السريع بمنع تصدير الفول السوداني والصمغ العربي والسمسم والماشية والذهب من المناطق التي تسيطر عليها. ورغم أن تأثير الحظر جغرافيًا كان محدودًا، إلا أنه مثل كسرًا رمزيًا خطيرًا في افتراض مصر بحق الوصول إلى الموارد السودانية – وتحديًا للوضع الاستغلالي القائم.

 

وتتفاقم هشاشة السودان بسبب تواطؤ جزء من نخبته نفسها. فطوال عقود، مكّنت الفصائل العسكرية والإسلامية في الخرطوم الاستغلال المصري مقابل شرعية خارجية أو استثمارات أو ملاذ سياسي. وقد أدّى هذا “الاتفاق الفاوستي” إلى إثراء قلة قليلة، بينما رسّخ التبعية وروّج لسردية مشوهة لمصر كـ”الأخ الأكبر”.

 

يجب تفكيك هذه السردية. فالسودان ليس شريكًا تابعًا في حلم قومي عربي. إنه دولة ذات سيادة: إفريقية بالجغرافيا، نوبية بالتراث، حامية-سوداء بالدم، عربية باللسان، ومتعددة روحانيًا. لا يمكن حصر هويته في ظل القاهرة.

 

ويجب على الشعب السوداني مواجهة أوهام التبعية: أوهام التفوق العربي، والحماية المصرية، والاعتماد الحتمي. إن تجديد السودان يتطلب رؤية سياسية جريئة، تنبع من تعدديته، وكفاحه، ومستقبله الإفريقي الوحدوي.

 

ولكي ينهض السودان، عليه أن يؤكد سيادته – ليس كشعار، بل كسياسات ملموسة. عليه أن يرفض دور المصدّر الخام لاقتصادات الآخرين. عليه أن يناضل من أجل العدالة في توزيع مياه النيل. وعليه أن يبني تحالفات جديدة مع أفريقيا والجنوب العالمي، بدلاً من التمسك بهرميات عتيقة.

 

في نهاية المطاف، فإن العدو الأكبر للسودان ليس نظامًا مجاورًا، بل الخوف المتأصل، واللامبالاة، والشلل السياسي. لا يمكن استيراد المستقبل. بل يجب انتزاعه عبر وحدة وطنية، وإعادة بناء المؤسسات، وقطع دابر التبعية.

 

الوقت قصير، لكن القضية عادلة. يجب أن ينهض السودان – لا لإرضاء القاهرة أو أي عاصمة أجنبية، بل ليستعيد كرامته، ويؤمن لنفسه مكانًا في مجتمع الأمم الحرة والمتساوية.

:[email protected]٧

‫3 تعليقات

  1. خقيقة اننا فى السودان يستشرى فينا هاجس اسمه الدور المصرى ولكن ما لا نقوم به من جانبنا هو معرفة مالذى نريده من مصر باعتبارها دولة جارة وتربطنا بها علاقات قديمة بل لا فكاك لنا منها.. مصر دولة تسعى لتحقيق اهدافها فى السودان وياتى الامن القومى فى المقدمة,, اننا نكتفى بالبكاء من استغلال مصر للاوضاع فى السودان ولكننا لم نعمل أبدا لتحقيق اهداف وطنية سودانية فى مصر لنحدد قبل اى شئ ما الذى نريد تحقيقه فى مصر ومع مصر… الانظمة السياسية التى مرت على السودان منذ الاستقلال تعاملت بتبعية مذلة لمصر وتنازلت لها عن اى شئ دونما مقابل واضح فمثلا اراضى حلفا لم ينتبه المفاوض السودانى الى املاء شرط يستفيد به شمال السودان من كهرباء السد وتنمية المنطقة بالرغم من ان التنازل او البيع امر به الكثير من الخطل فلماذا لم نستفد من ذلك الخطأ ونسعى لاعماله فى اية مفاوضات مع مصر.. نظل للأسف نردد تلك الرواية الهزيلة بان عبد الله خليل بيك لبس الميرى وشمر ساعديه لطرد القوات المصرية من حلايب فى 18 فبراير 1958م وهى بطولة ندعيها لجيشنا السودانى فى غير ما معترك وجيشنا الذى لا يزال يترنح تحت ضربات ميشيا بدوية متخلفة كيف له مواجهة جيش مقاتل كالجيش المصرى او تخويفه وتظل الحقيقة هى ان جمال عبد الناصر قد فهم جيدا نصيحة السفير الروسىJewgeni Dmitrijewitsch Kissel Jow والذى اشار اليه بان الاتحاد السوفيتى سيمول تشييد السد العالى فى أسوان بيد ان الامر يحتاج الى موافقة السودان على التنازل من بعض اراضيه لاقامة السد ولايبدو منطقيا الاستمرار فى النزاع حول حلايب وطلب اراضى اضافية من اجل السد من السودان فى ان واحد لذلك انسحيت القوات المصرية على عجل بناء على تلك النصيحة لا نتيحة الرواية الكاذبة التى نعيد ترديدها كل حين.. المهم مصر لها كل الحق فى البحث عن مصالحها لان العلاقات الدولية لا تقوم على حسن النوايا .. علينا مراجعة انفسنا وسياساتنا لتحديد اهداف واضحة وأهمها على الاطلاق ابعاد الايدى العابثة التى تتاجر او لديها الاستعداد بالمتاجرة وبيع الوطن.. يقال ان من المفاوض الذى وقع على اتفاقية التنازل عن حلفا لمصر قد اغوته سيدة قضت معه ليلة فى الفندق فوقع الاتفاقية ارضاء لها والعهدة على الراوى

  2. يا عزيزي الدكتور احمد،، السودان بالنسبة لمصر وشعبها حياة او موت،، مصر تسرق اكثر من 86 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وحتى نصيب السودان والذي كان حوالي 18مليار متر مكعب، كلها تذهب الى مصر بسبب الحرب وتوقف المشاريع الزراعية في السودان،، واكثر من 6 مليار طن متري من الطمي، تذهب الى مصر وان كانت اقل بسبب السد العالي،، كلها تذهب مجانا بدون مليم واحد لصالج السودان، ولا تنسى كل المحاصيل الزراعية والحيوانية، حتى التسالي تذهب من غرب السودان مباشرة بثمن قدر حلة المونيوم وابريق بلاستيك من مصر،،، لا يمكن لمصر ان تتخلى عن حكم السودان وتترك رقبتها لاي حكم ديمقراطي مدني يعمل لصالح الشعب السوداني،،، لا ديمقراطية علمانية ليبرالية وحكم مدني طالما هناك مصر، مصر عالقة في حلق السودان والسودانيين حتى انهيار حكامها من العسكريين،، والدمار الحالي سيرتاح فيه مصر والمصريين لمدة خمسين امنين مطمئنين بان مياه السد المخزنة استقرت في 190مليار متر مكعب وقد تزيد طالما توقفت الزراعة في السودان المنحوس بارهابه الاسلامي اللعين

  3. والسودان ينهض كيف اذا انت وامثالك تتحدثون عن الديموقراطية وانتم ابعد الناس عنها.. كلكم دكتاتورية والدليل ولا حزب واحد يمارس ديموقراطية حقيقية داخله وكلما تنجح ثورة يأتي للبرلمان نواب البصمة من حزبي الأمة والاتحادي الديموقراطي وتستمر الساقية في الدوران دون أي اعتبار للتاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..