مقالات سياسية

ذبح “الكرامة”… شهادة دولية!

منعم سليمان

منذ اليوم الأول لاندلاع جحيم 15 أبريل 2023، ظلّ نداء القوى السياسية والمدنية الديمقراطية واحدًا، لم يتغيّر ولم يتبدّل: أوقفوا هذه الحرب.

لم يكن ذلك النداء موقفًا عاطفيًا، ولا ترفًا خطابيًا، بل كان تعبيرًا عميقًا عن وعيٍ وطنيّ، سياسيّ وتاريخيّ، استشرف مبكرًا أن ما يجري ليس تمردًا عسكريًا، ولا مجرد صراعٍ بين مكوّنين نظاميّين، بل مشروع إبادةٍ سياسية، ومؤامرة مكتملة الأركان لاغتيال حلم الشعب في الحرية والدولة المدنية، تقف خلفها – تحت ستار الجيش- قوى ظلّت، منذ سقوطها على يد الشعب في ديسمبر المجيد، تتربّص بالحاضر، وتخطّط للثأر من المستقبل.

حتى قوات الدعم السريع، التي تُطاردها الاتهامات وتُلاحقها الأكاذيب حول إشعال الحرب، قد استشعرت هذا الواقع، ومضت في طريق السلام: من جدة والمنامة، وصولًا إلى جنيف.

في المقابل، ظلّت جماعة نداء (بل بس) الكيزانية، المقيمة في خنادق الجيش، والآكلة من رصيده الرمزي، ترى في استمرار الحرب خيارها الأوحد، بل شرطًا لبقائها. فبالنسبة لها، الحرب ليست أزمة، بل ضرورة وجودية، وأداة استعادة، ووسيلة تعيد من خلالها تشكيل الدولة على النمط الاستبدادي الديني القديم.

لقد أشعلوا الحرب لا من أجل حسم معركة، بل من أجل استعادة حكم… واسترجاع سلطة.

ولأن الحرب لا تلد إلا مزيدًا من الموت، ها نحن نرى حقيقتها تتكشّف، ونتائجها الكارثية تتبدّى داخل السودان وخارجه.

وفي كلمة قوية ألقاها أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، كشف المفوّض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن تصاعد مروّع في الانتهاكات والجرائم، مشيرًا إلى أن القتل التعسفي للمدنيين قد تضاعف ثلاث مرات بين فبراير وأبريل الماضي، نتيجةً لحملة إعدامات نفّذها الجيش، ومعه الميليشيات والكتائب الموالية، بحق من وُجّهت إليهم – دون محاكمة – تُهَمٌ بالتعاون مع قوات الدعم السريع.

تورك لم يكتفِ بالتوثيق، بل عرّى الحقيقة كاملة: السودان ينزلق إلى هاويةٍ من الفوضى وانعدام القانون، وسط غيابٍ مريع لأي اهتمام دولي.

هكذا، بلا تجميل، وصف الرجل ما نعيشه: حربٌ بلا شرف، ولا كرامة، وصمتٌ بلا مبرر، وموتٌ وخرابٌ تموّله الحركة الإسلامية، مدفوعةً بأوهام العودة إلى عرشٍ سقط بإرادة الشعب، وتحت أقدام الجماهير، قبل ستة أعوام!

ولأنه لا يمكن خداع كل الناس كل الوقت، بات العالم على يقينٍ بأن ما يجري في السودان ليس صراعًا بين جيش وتمرد، كما يُراد له أن يُظن، بل مأساة وطنية اختُطف فيها الجيش لصالح مشروع أيديولوجي لا يرى في الوطن سوى حقل تجارب، ولا في الدولة سوى منصة للتمكين والتسلّط.

إنه مشروع يسعى إلى الحسم، لا على الأرض فحسب، بل في الوعي والذاكرة، باسم “الكرامة” التي يذبح بها أبناء شعبه، ويهدم بها ما تبقّى من نسيجه الاجتماعي والوطني، ثم ينطلق بها خارجيًا، مهدّدًا المنطقة والعالم… حين تستتب له الأمور.

وإلى أن يُهزم هذا المشروع الإجرامي الظلامي، ستظل الحرب عقيدته، والكرامة ذريعته للذبح، و(بل بس) بوابته العمياء إلى قتل الأبرياء وإشاعة الخراب الشامل.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..