
في لحظة وطنية بالغة السواد، حين تغرق المدن في الدم، وتُقتلع القرى من الأرض كما تُقتلع الأعشاب اليابسة، خرج علينا الدكتور كامل إدريس بما يشبه “رسالة طمأنينة من كوكب آخر”. خطاب نظيف جدًا، ناعم جدًا، حتى ليكاد يعتذر من القتلة لفرط أدبه. يتقدّم الرجل كمَن يحمل قاربًا من الكلمات وسط طوفان من الجثث، وكأن الأزمة السودانية مجرد خلاف في جدول أعمال مؤتمر دولي.
الخطاب يمثل محاولة نشطة لتغبيش الوعي. فبدلاً من تشخيص الأزمة، قدّم وصفة بلاغية بلا مكونات. تحدّث عن “حكومة الأمل”، لكنه لم يقل لنا من قتل هذا الوطن؟ من سرق الجراح أولًا؟ من صبّ الملح عليها لاحقًا؟ ومن يواصل اليوم تمويل الخراب باسم “الشرعية” أو “الواجب الوطني”؟
إنه خطاب مشغول بترتيب الكلمات أكثر من ترتيب الأولويات. أشبه ما يكون بمحاضرة في أدبيات الإدارة الانتقالية ألقيت في صالة مكيفة بجنيف، لا بيان من رئيس وزراء يتصدّى لحريق شامل. لا خارطة طريق، لا خطة زمنية، لا أدوات تنفيذ، لا موقف من المليشيات، لا حتى اسم واضح للعدو. فقط وعودٌ كأنها منقولة من أوراق الأمم المتحدة القديمة عن “السلام المستدام”، كأننا لا نعيش حربًا، بل نشهد خللًا في منظومة القيم.
أسوأ ما في الخطاب، أنه يتعامل مع الحرب كحدث عرضي، لا كمأساة مستمرة. لم يطرح إدريس أي تصور لإيقافها، لا عبر تفاوض، ولا عبر مبادرة، ولا حتى عبر إعلان نوايا. لم يحدّد طرفًا واحدًا مسؤولًا عن الدماء. لم يقل لنا هل سيجلس مع القتلة أم معهم ومع ضحاياهم في قاعة واحدة؟ لا معايير، لا ضمانات، لا خطوط حمراء. وكأن الدم السوداني بلا كرامة، وكأن الجثث يمكن تجاوزها بـ”عبارات جامعة”.
الأدهى، أن الخطاب يطفو على بحيرة من التناقضات. فبينما يروّج للسلام، يتغاضى عن تعدد الجيوش والولاءات والسلاح العابر للحدود. لا حديث عن المليشيات، ولا عن شبكات تمويلها، ولا عن القوى الإقليمية التي تحرّكها كقطع شطرنج. هل سيدمجها؟ هل سيحلها؟ هل يعرف عددها؟ أسئلة صمت عنها إدريس ربما لأنه يعرف جيدًا أن بعض من يصفقون له اليوم، هم من يصرفون الرواتب لتلك المليشيات.
تغافل إدريس عن معنى العدالة، بل بدا وكأنه يعيد تدوير مبدأ “العفو مقابل الاستقرار” الذي دمّر السودان سابقًا. فليس في خطابه أي إشارة صريحة لمحاسبة من ارتكب الجرائم، أو من شرّد الملايين. بالعكس، هو يروّج لخطاب طيّ الصفحة دون قراءتها. يضع الجلاد والضحية على الطاولة نفسها، ويسمّي ذلك “وحدة وطنية”. لكن الوطن لا يُبنى فوق المقابر دون عدالة، ولا يستقيم فوق رماد القرى المحروقة دون مساءلة.
وحين نبحث عن ملامح الدولة التي يتحدث عنها، نصاب بالحيرة. هل ستكون الدولة فيدرالية أم مركزية؟ علمانية أم ذات مرجعية دينية؟ مدنية بحق أم مسقوفة بالعسكر؟ لا نعلم. لم يقل. لم يحدّد حتى من الذي سيحاسب حكومته، أو من فوّضه أصلًا لقيادة المشهد. هل لديه برلمان؟ قاعدة شعبية؟ لجنة انتخابية؟ أم أن “الأمل” وحده بات صكّ تفويض جديد؟
أما ما سُمّي بـ”دبلوماسية السلام”، فهي تعبير هشّ لا يليق إلا بمحاضر علاقات دولية في جامعة مهجورة. لا موقف من مصر أو إثيوبيا أو الخليج أو الغرب. لا ذكر لصراع الموانئ، ولا التنافس على الذهب واليورانيوم. هل هذا تغافل؟ أم سياسة مقصودة تقوم على ترك الأبواب مشرعة، حتى ولو دخل منها الذئب؟
الخطاب أيضًا يشير إلى رغبة واضحة في التنصّل من الواقع، لا الانخراط فيه. رجل قادم من المؤسسات الدولية يتحدّث كأنه محايد، كأنه لم يعرف السودان إلا من تقارير الوكالات. لكنه لم يأت من فراغ. لقد خاض انتخابات في عهد النظام البائد، وظهر في مناسبات رسمية مع رموزه. سعى حينها لمنح النظام شرعية لا لنزعها. واليوم، يطلّ علينا من ذات الباب، نظيفًا من كل دم، ويدعو إلى الامل دون أي خجل من التاريخ.
إن خطاب كامل إدريس ليس أكثر من محاولة لإعادة طلاء الجدار ذاته بلون جديد. طلاءٌ فخم، لكن تحته الشقوق تتسع. السودان لا يحتاج لمن يبيعنا لغة مطهّرة من المسؤولية، بل من يسمي الأشياء بأسمائها: من قتل؟ من دمّر؟ من حرّض؟ من موّل؟ من صمت؟ ومن يريد اليوم أن يقفز من السفينة التي أغرقها ليتقمص دور المنقذ؟
إن أخطر ما يُنتجه هذا النوع من الخطاب المضلل، ليس مجرد تغافل عن الوقائع، بل تشويش الوعي الجمعي للسودانيين، وإعادة تشكيل الإدراك العام بطريقة تخدع الناس وتدفعهم إلى التعايش مع الألم وكأنه قدَر لا جريمة. فهو ينكر المأساة و يعيد تأطيرها بلغة ناعمة تُربك الضحية، وتمنح الجلاد فرصة جديدة للتخفي. حين يُختزل الخراب في تعبيرات دبلوماسية، وتُطمس المسؤوليات تحت شعارات المصالحة، يُعاد إنتاج الأزمة بأدوات جديدة، ويُهيأ للمواطن أن الحلّ قادم على يد من كان يومًا جزءًا من أسباب الانهيار. هكذا يتحول الخطاب من وسيلة وعي إلى أداة تخدير، ومن منبر للحق إلى منصة لتبييض الباطل.
السودان اليوم لا يحتاج إلى شاعرٍ سياسي،ولكن نحتاج إلى قائدٍ أخلاقي. لا يحتاج إلى من “يتوازن” في حضرة الجريمة، بل إلى من يصرخ بالحقيقة حتى لو احترقت أوراقه. فالكلام المموه في زمن القتل خيانة. والحياد في زمن الذبح تواطؤ. والمصالحة بلا مساءلة، مجرد غطاء جديد لذات الخراب القديم.
(إن أخطر ما يُنتجه هذا النوع من الخطاب المضلل، ليس مجرد تغافل عن الوقائع، بل تشويش الوعي الجمعي للسودانيين، وإعادة تشكيل الإدراك العام بطريقة تخدع الناس وتدفعهم إلى التعايش مع الألم وكأنه قدَر لا جريمة. فهو ينكر المأساة و يعيد تأطيرها بلغة ناعمة تُربك الضحية، وتمنح الجلاد فرصة جديدة للتخفي. حين يُختزل الخراب في تعبيرات دبلوماسية، وتُطمس المسؤوليات تحت شعارات المصالحة، يُعاد إنتاج الأزمة بأدوات جديدة، ويُهيأ للمواطن أن الحلّ قادم على يد من كان يومًا جزءًا من أسباب الانهيار. هكذا يتحول الخطاب من وسيلة وعي إلى أداة تخدير، ومن منبر للحق إلى منصة لتبييض الباطل.)
المصيبة ان الشعب السوداني لا يتماشي معه الا هذا النوع من الخطاب العاطفي الخطاب المنمق شعب يريد كلمات رنانة جميلة شعب يريد ان يعيش في عالم الاحلام والاوهام شعب عاطفي وربنا ابتلاه بقيادات تعرف تسغل هذه العاطفة لدغدغة مشاعر الشعب قيادات لا تريد مصلحت الشعب ولا تريد له الخلاص ولانفكاك من الوهم واذا منالله علي الشعب بقيادات تعرف مصلحته وتبحث له عن الخير والنفع فاصحاب المصالح لا يتركون هذه القيادات لتعمل ويضعون العراقيل ويخططون الخطط لتفشل لانهم لاتهم مصلحة المواطن لان المواطن لا يعرف مصلحته
احيييك ابو السني علي تعليقك ،،،فعلا نحن مشكلتنا ليس في الطغاة واللصوص والانتهازيين بل في هذا الشعب العاطفي السازج فعقله تعفن في بياته الشتوي لانه لا يستخدمه اطلاقا فاي صاحب حلقوم كبير أو سياسي او ناشط او عسكري بخطبة منمقة رنانة او مقال او هتاف عاطفي يمكنه ان يقوده من اذنه الي حيث يريد انه مجتمع رعوي جهوي طائفي بامتياز فالطغاة واللصوص والانتهازيين وعديمي الوطنية والإنسانية والتافهون الذين يتحدثون في شلون العامة عندما يجدون مثل هذه البيئة فإنهم يتكاثرون مثل الجراد الصحراوي ويكون عددهم في اذدياد وينزوي الصالحون في ركن بعيد فنري هؤلاء التافهون يتصدرون المشهد ويقررون مصير الامة…..
قالو (ال في البر عوام)..
وهناك أناس لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، وأظنك أنت أحدهم يا دكتور همت.
فأنت ممن يجيدون التشنيع والتقبيح والنقد من أجل النقد ولا تحسن العمل.
وإلا فلماذا لا تدق صدرك أنت يا د. همت وتتقدم لتصنع لنا قاربا من الحديد غير القابل للصدأ وتنقذنا مما فعلته بنا مليشياتكم المتمردة؟
الدكتور كامل مهمته محددة جدا، وهي تشكيل حكومة كفاءات مستقلة غير حزبية تدير الفترة الإنتقالية وتوصلها الى بر الإنتخابات التي يكرم فيها الشعب السوداني الوطنيين الذين وقفوا معه ودافعوا عنه وفدوه بدمائهم وجهودهم وأرواحهم، ويعاقب فيه الخونة الذين خانوه وتنكروا له وباعوه بثمن بخس من دراهم الكفيل ودولاراته وإكرامياته..وهذا العقاب الشعبي المتوقع عند الإنتخابات هو نا يخيفكم.
فالكرزايات الذين تطاردهم الجاليات السودانية وتضربهم بالنعال والبيض الفاسد حتى في العواصم الغربية التي يحملون جوازاتها ماذا تنتظر من الشعب السوداني يوم الإنتخابات؟
هذا إذا استطاعوا أن يحضروا الى السودان أصلا وينظروا في عيون الشعب السوداني!
ولأنك تعلم يا دكتور همت أن أحبابك القحاتة لا يمكنهم قط أن يحكموا السودانيين إلا عبر فوهات بنادق مليشيا الجنجويد، فأنت لا تريد أن ينجح رئيس الوزراء كامل إدريس في مهمته المحددة (تشكيل حكومة كفاءات تدير الفترة الإنتقالية لتبلغ بها شاطئ الإنتخابات.
فشهر الإنتخابات ليس لكم فيه نفقة، وشعرها ما عندكم ليهو رقبة!
ولذلك تطلب من السيد كامل إدريس مهمة ليست مهمته وتطالبه بتحديد القاتل والمجرم والمعتدي والمتمرد.
وعلى الرغم من أن هذه ليست مهمته إلا أنه لا يوجد في العالم كله فضلا عن السودانيين من لا يعرف من هي الجهة التي تمردت وهاجمت المواطنين في بيوتهم وسكنت فيها واحتلت أعيانهم الخدمية والمدنية، ومن هي الجهة التي قتلتهم وهجرتهم وشردتهم وقصفتهم عشوائيا في قراهم ومدنهم وبيوتهم وشوارعهم وأسواقهم ومساجدهم
ومن هي الجهة التي اقتحمت معسكرات النازحين في دارفور وقتلتهم وشردتهم، ومن الذي ظل يحاصر مدينة الفاشر ويقصفها لأكثر من عامين على الرغم من قرار مجلس الأمن الذي يطالبها بالكف عن ذلك.
وكل العالم يعرف من قتل والي غرب دارفور الجنرال خميس ابكر وسحله ودهسه وزغردت نساءه وعبثت بجثته أطفالهم.
وكل العالم يعرف من هي الجهة التي قتلت واغتصبت وأحرقت وذبحت وشردت مئات الآلاف من شعب ونساء المساليت وقبائل غرب دارفور.
وكل العالم يعرف الجهة التي هاجمت قرى الجزيرة الوادعة الآمنة وقتلت اهلها ونهبتهم واغتصبت نساءها، وقتلت في ود النورة لوحدها أكثر من 400 مدني
وكل العالم يعرف من الذي يقصف بالمسيرات الإنتحارية والإستراتيجية القرى والمدن ومولدات الطاقة وخزانات الوقود والمياه والسدود والمطارات والمشافي وحتى السجون ومستشفيات الولادة..
لا بل والعالم كله يعلم الدولة التي تدعم مليشيا جنجويدكم بالمرتزقة والسلاح والأموال والمسيرات الإنتحارية والإستراتيجية عبر أم جرس وأفريقيا الويكى وكينيا وأخير عبر حفتر من شرق ليبيا.
وهي الجهة التي فعلت مثلما فعل ترامب حين فشلت اسرائيل في ضرب مفاعلات طهران النووية قام هو بضربها. ودولتكم الداعمة للجنجويد عندما عجزت المليشيا عن ضرب المطار المدني والفندق وخزانات الوقود في بورتسودان، قامت عي بضربها إنطلاقا من دويلة بونتلاند الصومالية التي فصلتها عن الصومال مثلما قسمت اليمن وليبيا.
والشعب السوداني وكل العالم يعرف الأحزاب المتحالفة مع القتلة واللصوص والمغتصبين فردا فردا..
فقط أنت وقيادات قحت ومتحوراتها وأتباعها القليلون ودجاجها الألكترني لا تعرفون الجهة التي ترتكب هذه الجرائم، على الرغم من أن الجناة يصورون جرائمهم بأنفسهم ويتباهون بها..
ولذلك تطلبوا من السيد كامل إدريس أن يترك مهمة تشكيل حكومته لخدمة المواطنين وإيصاله الى عتبة الإنتخابات وينشغل بتعريفكم من قتل ومن نهب ومن إغتصب ومن حرق ومن تمرد.
لقد كتب أيضا الدقير مقالا كاملا ينتقد فيه السيد كامل إدريس، فهل تدرون على ماذا إنتقده؟
إنتقده لأنه يريد تشكيل حكومة كفاءات مستقلة وليست حكومة أحزاب!😨
أليس هذا عجيبا أن ينتقد شخص، يفترض فيه أن يكون راشدا، رئيس وزراء إنتقالي على تشكيله حكومة كفاءات وليست حكومة أحزاب؟
لكنه ليس غريبا أن يفعل القحاتة ذلك، لأنهم أعداء الإستقرار، لأنهم يعلمون أن الإستقرار يأتي بالإنتخابات، ويعلمون أن الإنتخابات مابتجيبهم كما قال باكرا خالد سلك نائب رئيس حزب عمر الدقير👇👇
https://fb.watch/Aofjn647RP/?mibextid=z4kJoQ