مقالات وآراء سياسية

الحرب الوعي المزيف ومغالطة الاحتمالين(1)

مجدي إسحق

‏إن الضعف الواضح لقوى التغيير والتشرذم الذي تعيشه جعل الساحة فارغة من فرسان الحقية فلا غرابة ان تسيطر عليها قوى الشر وتفرض قناعاتها ورؤيته الفلسفية ‏هذه الرؤية الفلسفية المأزومة في ظروف الحرب يمكن بكل بساطة أن نقول أنها كرست لسيادة الوعي الزائف.

‏إن الحروب لا تحسم في أرضية المعارك فقط بل يلعب استقطاب الجماهير ودعمها دورا حاسما. لذا تسعى القوى المتحاربة لكسب الشعوب بجانبها وكل يزعم بأنه يمتلك الحقيقة .لذلك ليس غريبا أن تتحقق المقولة التي تؤكد أن الحقيقة هي أول ضحايا الحروب.

‏إن قوى الشر لمجانبتها الحقيقة فأنها ليس لديها سوى ان تستعمل خداع الوعي الزائف في محاولتها للسيطرة على الشعوب.

‏ان أكثر الأدوات الوعي الزائف و الميكانيزمات المستعملة هي المغالطات الفكرية. ان المغالطات الفكرية هي محاولة غرس المفاهيم الخاطئة والتلاعب بعقول الجماهير حتى لا تعلم الحقيقة و لا تكسب الوعي الذي يساعدها في السيطرة على الحرب وتحديد نهايات الصراع.

‏نجد من أكثر المغالطات الفكرية التي تستعملها قوى الشر هي مغالطة الاحتمالين وهي تعرف أيضا بالثنائية الكاذبة وهي محاولة الادعاء بأن هنالك مجرد تفسيرين فقط للإجابة عن تساؤلات الواقع متجاهلة بقصد أي احتمالات أخرى. حيث هي عملية حصر الخيارات في بديلين كلاهما سلبي مع إخفاء خيارات ثالثة أفضل ،إن الهدف في معظم الأحيان خداع الشعوب على قبول شرّ “أخف” تحت تهديد شرّ أكبر (مثل إما الديكتاتورية أو الفوضى) مع الادعاء بأنه ليس هناك خيار آخر.

نجد أن هنالك أمثلة كثيرة في استعمال قوى الشر لهذه المغالطة لدرجة أنها أصبحت جزءا من واقع الوعي الزائف اليومي الذي يسيطر على الجماهير . ان نظرة سريعة لواقعنا يمكننا ان نري جلياتها في الاتي ‏أولا مغالطة الحرب والقتال او القبول بالعنف والانتهاكات وعدم الأمان ‏هي مغالطة ترسم الواقع بان عدم القبول بالقتال يعني الاستسلام والقبول بالذل والانتهاكات كأنه ليس هناك احتمال آخر والهدف الذي لا يخفى على اي عاقل التجاهل المتعمد للخيار الثالث وهو خيار السلام الذي يفرض التعايش السلمي وتطبيق العدالة على كل التجاوزات.

ثانيا مغالطة دعم طرف أو الخيانة وهي محاولة تزعم انه ليس هناك مفر سوى الحرب ومن ثم لابد من دعم أحد طرفيها ويحاول التجاهل متعمدا ان هناك خيار رفض الحرب من أساسها لذا فالذي يختار طريق السلام لأنه يؤمن بأنه الحل الوحيد لوقف الدمار والأمن المستدام لن ينحاز لأي من الأطراف مهما كان تعاطفه مع هذا الطرف او ذاك لأن ذلك يعني الانحياز للحرب وهدما لخيار السلام الذي اختاره أساسا.

ثالثا مغالطة السئ مقابل الأسوأ ومحاولة التبشير بأن عهد الظلم السابق هو الحل مقابل واقع الدمار اليوم. هنا تظهر زيف المغالطة التي تسعى لإلغاء الخيار المعلوم بأن الخيارين مرفوضين وهنالك خيار أفضل يسمى دولة القانون والمؤسسات رابعا مغالطة قبول الكيزان أو استمرار الحرب ونجد هذه المغالطة تغذيها بركة من الأكاذيب والوعي المزيف التي تحاول رسم واقع الكيزان بأنهم ضحايا الإقصاء (كل كوز ندوسو دوس) وانهم اصبحوا في معركة وجودية ليس لهم سوى الحرب للعودة للسياسة أو والاستسلام لعودتهم للحياة السياسية.

هذه المغالطة تستند على تزييف فاضح فثورة ديسمبر لم تطالب بقتلهم وسحلهم ولم تحاكم الافراد لانتمائهم التنظيمي بل طالبت بمحاسبة من انقلب على الدستور ومن اشترك في الظلم والعنف والفساد. لذا عندما طالب شعبنا بحل المؤتمر الوطني ليس نكاية في الكيزان بل نتاج مطلب عادل ومنطقي وقانوني بل ودستوري يمنع قيام اي حزب ديكتاتوري يرفض التعددية واحترام الاخر وسيادة القانون. لذا هذه المغالطة التي تحاول الباسهم زيفا واقع الضحايا الذين فرض عليهم القتال تسعى لإخفاء الخيار المنطقي الموجود بان يبدلوا قناعاتهم القمعية والقبول بدولة المؤسسات والديمقراطية وتكوين أحزاب على مفاهيم العدالة واحترام الدستور. هذه الحملة المنظمة بتكريس مغالطة الاحتمالين لمحاصرة شعبنا بالوعي الزائف تجعلنا ندور في فضاء الجهل والضياع.

لاشك انه قد صدق فولتير فيما نسب اليه حين قال أخطر أنواع الاستبداد هو الذي يقنعك بأنك حر لأنك تستطيع الاختيار بين سجانين ويقول علم النفس السياسي في نفس المنوال إن أسوأ قوى الشر هي التي تجعل شعوبها تحت سيطرة وهم خيارين كلاهما يقود الى جهنم.

فهل قمنا لنضالنا وفارقنا هذه المغالطة التي تقودنا في كل يوم نحو الجحيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..