خيبة أمل وضياع مجهود المنتجين فى السودان !!!

عبد المنعم على التوم
منذ فبرائر من العام 1992 دخل السودان فى أزمة إقتصادية تراكمية متواترة عاما بعد عام مع تدهور سعر صرف العملة السودانية الى أرقام لا يتصورها عقل بشرى ملم بإبجديات علم الاقتصاد مما إنعكس سلبا على أسعار السلع والخدمات بجميع قطاعاتها المختلفة وتأثرت على اثر ذلك حياة معظم الناس وأتسع الفتق على الراتق ، حيث ظهر قلة من الاثرياء ، يزدادوا ثراء بمتوالية هندسية ، وفقر مدقع يتصاعد يوما بعد يوم أصاب 90% من شرائح المجتمع السودانى سواء كانوا موظفين أو عمال مما أدخل المجتمع فى صراع وسباق محموم من أجل توفير لقمة العيش الكريم والصراع من أجل البقاء وتوفير حاجيات الاسر والمطلوبات اليومية التى تزيد من معاناة الناس دون كابح أو علاج يوقف أو يسيطر على هذا الإقتصاد المريض الهزيل – المجنون !! مما نتج عن ذلك تفشى الفساد والرشوة والمحسوبية وزاد من طمع الناس للبحث عن ملاذات ومخارج آمنه والتنافس المحموم على اشده من أجل الوصول الى كرسى السلطة والمناصب الدستورية حيث الرفاهية والعيش الرغد – حتى ولو كان ذلك بقوة السلاح و ليس بالمؤهلات والكفاءآت المطلوبة حيث اصبحت تلك المناصب من الملاذات الآمنة التى يسعى إليها أصحاب القوة والصولجان ليس لخدمة الناس وإنما لخدمة مصالحهم ، وخدمة المنسوبين الذين يوفرون لهم الحماية حتى وقد لا يهمهم امر الشعب فى شئ . !!! وكل ذلك يحدث فى تقديرى بسبب الوضع الاقتصادى المتراجع يوما بعد يوم بسبب السياسات الاقتصادية المفروضة دون علم وواقع حقيقى يشكل و يهيكل إقتصاد الدولة السودانية بما يتلاءم وظروفها الموضوعية دون التشبه بمحاكات وتقليد الآخرين .!!!
يقول أهل العلم فى جميع المجالات –طبية أو صحية – صناعية –هندسية – زراعية – عسكرية – أمنية – – فنية – سياسية – إقتصادية- تعليمية (تحديد مكان أو موقع المشكلة يمثل 75 % من العلاج أو الحل) وبما أننا فى هذا المقال سوف نتعرض لاهم المشاكل التى أرقت الشعب السودانى ألا وهى المشكلة الاقتصادية التى تم إختلاقها منذ العام 1992م عندما قام السيد عبدالرحيم حمدى وزير المالية الاسبق بتحرير الاقتصاد وجعل منه إقتصاد حرا طليقا ، خصخص بموجبه شركات المساهمة العامة التى كانت تقوم بعمليات صادرات السلع السودانية الاستراتيجية التى ترفد خزينة الدولة بالعملات الصعبة تحت ذريعة أقواله الشهيرة (الدولة لا تشتغل تجارة – الدولة عليها حفظ الامن و النظام فقط – الصادرات فى امريكا هى مسئولية القطاع الخاص …!!) .. وهكذا تم القفز بالاقتصاد السودانى الى آتون الظلام …!! وهكذا إستطاع بعض الافراد والشركات الخاصة أن يرثوا إقتصاد الدولة السودانية وخاصة ما يتعلق بالتجارة الخارجية . !!
لقد حاول الدكتور عبدالرحيم حمدى أن يتبع ويقلد ويحاكى ويفصل هيكل الاقتصاد الامريكى على مقاس الدولة السودانية مما كان سببا كبيرا ومباشرا فى الفشل والضياع والمحنة والحسرة التى نعيشها حتى تاريخ كتابة هذا المقال .!!!
يقول الدكتور محمد دويدار فى كتابه الرائع (مبادئ الاقتصاد السياسى) ‘ وهو ما يعنى ويتعلق بسياسة الانتاج والتوزيع عبر الحقب التاريخية المختلفة وقد ذكر فى (ص 39) (يترتب على ذلك أن الاقتصاد السياسى ، أى مجموع القوانين النظرية) الخاصة بعملية الانتاج والتوزيع فى أشكالها الإجتماعية المتغيرة ، يكون علما ذات طابع تاريخى .فليس هناك علم إقتصاد صالح لكل اشكال المجتمع ، إذ لا يمكن أن نتوقع أن تكون القوانين الاقتصادية فى مجتمع يسود فيه الانتاج بقصد الاشباع المباشر لحاجات المنتجين هى نفس القوانين الاقتصادية التى يسود فيه انتاج المبادلة . كما لا يمكن أن نتوقع أن تكون القوانين الاقتصادية فى مجتمع تقوم فيه روابط الانتاج (فى أرتباطها بمسنوى قوى الانتاج) على الملكية الفردية لوسائل الانتاج ، هى نفس القوانين الاقتصادية لمجتمع تقوم فيه هذه الروابط على الملكية الجماعية لوسائل الانتاج . حقيقة أنه توجد بعض الظواهر الاقتصادية المشتركة بين اكثر من شكل من الاشكال التاريخية للمجتمع الإنسانى – يقابلها قوانين إقتصادية (نظرية) مشتركة بين هذه الاشكال التاريخية للمجتمع (كقوانين التبادل النقدى مثلا) – ولكن القوانين الاقتصادية التى تميز كل شكل من الاشكال التاريخية للمجتمع وهى ما يمكن أن نسميها بالقوانين النوعية اهم بمراحل من هذه القوانين المشتركة عند التعرف على طبيعة العملية الاقتصادية فى شكل معين من هذه الاشكال).
لقد اجمع كثير من علماء الاقتصاد وعرفوا الاقتصاد السياسى : (هو العلم الذى يبحث فى ثروة الشعوب والاسباب التى تجعل مرتبة أمة فوق مرتبة أمة آخرى فى السعادة والرفاهية والغرض منه الارشاد الى ما ينبغى القيام به لتقليل عدد الفقراء والمساكين بقدر الطاقة ،وايقاف كل واحد على الوسائل التى توصله على اقتطاف ثمار عمله ، ولا مراء فى أنه توجد علوم آخرى ترمى الى هذه الغاية بعينها كعلم الآلآت ؛ إذ بواستطته نهتدى الى الحصول على القوة وكيفية التصر فيها بما يساعد على ابراز نتائج الاعمال).
ووفق محاور الانتاج والتوزيع والاستهلاك لقد اوقعت السياسات الاقتصادية المتبعة الظلم على المنتجين السودانيين وحرمتهم من نتائج وثمار نشاطهم الانتاجى الذى من المفترض ان يزيد قوة تراكمية عام بعد عام بكل فئاتهم سوى كانت زراعية او صناعية ولكن للاسف الشديد هزمتهم سياسات الدولة وجعلتهم يمسكون الريح مثل السيارة التى تدور عجلاتها دون أن تتحرك أو معلقة وتدور بفعل المحرك لكن السيارة لا تلامس الارض بشكل كامل مما يمنعها من الحركة بسبب إنزلاقها على سطح زلق …!!! هكذا هو حال المنتجين فى السودان (يلف ويدور فى الفاضى) والسبب الرئيسى لهذا الفعل الجبان هو منشور بنك السودان 20/20 الذى يسمح بسرقة مجهود ونشاط المنتجين ، الذين ينتظرون عوائد وثمار نشاط مجهوداتهم الانتاجية فى تلبية إحتياجاتهم من الامم الآخرى عبر التجارة الخارجية ، يخرج عليهم بنك السودان بتمليك ثمرة إنتاجهم من النقد الاجنبى الى مايسمى بقطاع المصدرين وهم الذين يمنحون افضلية وامتيازات ما انزل اللـه به من سلطان فى إنتهاك صريح للإنتاج والانتاجية وانتهاك سافر لعملة الدولة الوطنية …!!
لقد ذهب الطاقم الاقتصادى السودانى منذ فبرائر 1992م بقوانين إقتصادية إنفرادية نوعية كانت ذات طابع تهميش قوى الانتاج والمنتجين وأعلاء شأن المصدرون السماسرة والطفيلية والطفيليون .!!! لقد تجاوز الطاقم الاقتصادى حدود المعرفة والعقل الذى يميز بين المعقول واللامعقول .. !!! ولم يك عادلا فى التصنيف بين المنتجين والمصدرين والمهربين و الموزعين ، لقد صنف المشرع الاقتصادى عبدالرحيم حمدى الدور الذى يقوم به المصدرين و الموزعين للإنتاح بمرتبة أعلى من المنتجين الحقيقين مما أقعد بالانتاج و الانتاجية و المنتجين ، حتى أتى على الاخضر و اليابس وتدهورت قوى الانتاج فى جميع القطاعات !!!
يقول علماء الاقتصاد فى تعريف الانتاج : (هو أى مجهود أو اى نشاط ذهنى أو عضلى يحقق منفعة لاشباع حاجيات الناس) فخلق القيمة المادية التبادلية من النشاط الانتاجى (مثال : الزراعة لخلق القيمة المادية أو عبر العقل لخلق القيمة المعرفية كالمعلم … الخ) لذلك نجد إشباع حاجيات الناس وتلبية إحتياجاتهم من ضروريات الحياة عبر اثنين من المصادر :
1/ المصدر الاول : الاشباع المباشر وهو بغرض النشاط والانتاج المادى لخلق القيم النافعة من أجل إشباع الحاجيات المحلية المباشرة
2/ المصدر الثانى الاشباع غير المباشر وهو يعنى اشباع الحاجيات عامة عبر طريق القيم التبادلية سوى كانت محلية او عالمية – عقلية او ذهنية – نقدية كانت أو مقابل التبادل السلعى مع الامم الاخرى .
لقد اخفق الطاقم الاقتصادى السودانى منذ امد بعيد ربما العام 1973م عندما تم إجهاض إتفاقية برايتون وودز من قبل الولايات المتحدة الامريكية والتخلص من تغطية معيار العملات بمعدن الذهب وفرضت امريكا الدولار كعملة احتياط عالمية وقد اثر هذا القرار على جميع دول العالم ولم ينتبه طاقم المشرعين الإقتصاديين فى العمل الجاد لبناء احتياطيات من الدولاروالعملات الاجنبية ذات القيم التبادلية عن طريق السيطرة على روافد وقنوات موارد تلك العملات وضبط حركة تبادل النقد الاجنبى والعمل على تحييدها داخل اروقة البنك كجهة اختصاص معروفة ومحددة ، حتى وصول طاقم ومشرعو الاقتصاد الانقاذى الذين فكروا فى ثراء أنفسهم دون الاهتمام بما يحدث للدولة وجاءوا على قميصه يدم كذب وجاوا بسحر عظيم ، أحضروا الآلات والمعاول وبدأوا يهدمون فى الهيكل الإقتصادى القائم اصلا والموروث من الحكم البريطانى وأظنه كان مثاليا من حيث التنظيم والترتيب والقوانين واللوائح والنظم قبل أن يتم تجريفه وتبديله عاما بعد عام وقد بلغ قمة التجريف مع وصول المشرع الذى عمق الجراح وشوه الهيكل الاقتصادى الى أن صار لا يتناسب ولا يتواكب مع ظروف الدولة السودانية ذات الموارد الصخمة التى يعلمها كل العالم فهل المسألة كما يدعى بعض الناس شح فى الانتاج ؟! أو كما يدعى آخرون مثقفون كثر بأن المسألة هى خروج السلع السودانية كمواد خام دون إضافة قيمة إستعمالية عليها مما يقلل من عوائدها الاقتصادية؟!! بمعنى أن المشكلة فى عدم وجود الصناعات التحويلية ؟!!!. وعليه لابد أن نسلط الضوء على هذه الجزيئات بالعقل والمنطق والواقع والمعقول والظواهر الاقتصادية الماثلة للعيان . وقد نبدأ بشرح الامر فى شكل سؤال وجواب :-
هل السودان دولة منتجة ؟
نعم السودان دولة منتجة بكل ما تحمل هذه الكلمة من مدلولات إقتصادية تفاصيلها كالآتى :-
1/ نحن مصنفون فى العالم العربى والعالم الافريقى الدولة الاولى فى انتاج الثروة الحيوانية والسادسة عالميا .
2/ نحن الدولة الاولى فى انتاج الصمغ العربى لا ينكر ذلك إلا مكابر او صاحب غرض .
3/ نحن الدولة الثانية فى افريقيا فى انتاج الذهب ويمكن ان نكون الاولى لولاء التهريب والتستر و عدم الشفافية وربما عدم معرفتنا بعلم الحساب ,!!!!(الطن من الذهب يعادل 88مليون دولار فى اسواق العالم)
4/ نحن دولة ننتج الفول السودانى والقطن والسمسم وعباد الشمس والكركدى والكبكبى والعدسية والمانجو والقريب فرت والبرسيم وصمغ اللبان والليمون الجاف … الخ وكلها سلع ذات قيم عالمية ممتازة ومرغوبة وجميع منتجاتنا وهى خام واكرر وهى خام أسعارها افضل باضعاف مضاعفة لسعر الطن من البترول الذى اثرى دول الخليج.!!!
5/ نحن دولة لدينا صناعات تحويلية كالسكر والحديد والاسمنت وكوابل كهرباء الشرق وصهاريج المياه وخراطيش المياه والطحنية والزيوت وجميع منتجات الالبان ومواسير الكهرباء والصرف الصحى وتذهب الى جميع دول الجوار بواسطة المهربين وحصيلتنا فيها من النقد الاجنبى او ما يعرف بحصائل الصادر صفر كبير لا تذكر حتى فى احصائيات التجارة الخارجية .!!!
هل سمعتم يوم بحصيلة صادر من سلعة الاسمنت او السكر او الحديد او البسكويت او الطحنية او زيوت تابكو او لحوم لولى او القوصى وصلت عبر بنك اثيوبى او تشادى او اريترى او جنوبى !!!! المشكلة ليس كما ما يدعى بعض المثقفاتية فى عدم وجود الصناعات التحويلية ,,,!!أو كما يدعى آخرون كثر فى عدم الانتاج والانتاجية المشكلة بكل صراحة فى السياسات والقوانين الاقتصادية ، المشكلة فى سرقة مجهود المنتجين بواسطة القوانين والسياسات الاقتصادية التى تسمح للمصدرين بتجنيب النقد الاجنبى لصالج المصدرين وبالقانون بالاضافة للمهربين الذين يهربون المنتجات السودانية وغير السودانية بإعادة تصديرها لدول الجوار دون أن يضيفوا سنت واحد لخزينة الدولة السودانية المنهوبة . !!! هذه هى قصة فشل الاقتصاد السودانى وضياع وخيبة أمل وسرقة مجهود ونشاط المنتجين وستظل المشكلة قائمة وباقية ما بقيت سياسات حمدى إخوان والي أن يرث اللـه الارض وماعليها .