حكم الغناء والآلات الموسيقية في الفقه الإسلامي- دراسة فقهية وتحليل معاصر

زهير عثمان حمد
موضوع الغناء والآلات الموسيقية من أكثر المسائل التي أثارت جدلًا فقهيًا وثقافيًا في تاريخ المسلمين. وقد انقسم العلماء في حكمه إلى اتجاهات متعددة، وتفاوتت مواقف المذاهب الأربعة، كما تطور النقاش عبر العصور وصولًا إلى اجتهادات معاصرة توازن بين مقاصد الشرع والواقع المتغير.
حكم الآلات الموسيقية في المذاهب
الدف (الطار):
الدف مباح بالإجماع في الأعراس والأعياد، استنادًا إلى حديث النبي ﷺ: «أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف» (رواه أحمد). وهو مستثنى باتفاق السلف، مع تأكيد الجمهور على أنه يخص النساء في أغلب الأحوال.
المزامير (الناي، الشبابة):
حرمتها المذاهب الأربعة، وعدها ابن تيمية أشد تحريمًا من الغناء. لكن المالكية استثنوا الحداء في السفر بشرط ألا يكون مطربًا ولا مثيرًا للهوى.
الآلات الوترية (العود، القانون، الكمان):
حرمها الشافعية والحنابلة تحريمًا قاطعًا، ووصف النووي استعمالها بأنه «منكر من القول». أما بعض الأحناف المتأخرين فرخصوا فيها عند استعمالها في أناشيد دينية أو تعليمية خالية من الفحش.
الطبول الكبيرة (الكاسر، الدربكة):
مكروهة تحريمية عند أكثر الفقهاء، وقال ابن قدامة إنها «من شعار أهل الفسق». لكنها مباحة باتفاق المذاهب في سياق الجهاد والتنظيم العسكري لما فيها من مصلحة معتبرة.
الآلات الإيقاعية (الصنج، الأجراس):
أجمع أكثر العلماء على تحريمها، وعلل الإمام الشافعي ذلك بأنها تشبه طقوس أهل الكتاب، مستندًا إلى الأحاديث التي نهت عن الأجراس ووصفتها بمزامير الشيطان.
آراء الأئمة الأقدمين بالأدلة
ابن حزم الظاهري: أباح جميع الآلات قائلاً «لا دليل صريح على التحريم» (المحلى 9/60).
ابن تيمية الحنبلي: حرم المعازف تحريمًا مطلقًا وقال «كل آلة طرب محرمة» (الاستقامة 1/283).
القفال الشاشي الشافعي: حرم العود والطنبور وعدهما مجلبة للفتنة (حاشية البجيرمي 4/309).
ابن عبد البر المالكي: أباح الدف فقط وصرح «لم يبح من الملاهي إلا الدف خاصة» (التمهيد 9/318).
الكاساني الحنفي: رأى أن الآلات مكروهة لا محرمة قطعًا وقال «المكروه ليس بحرام» (بدائع الصنائع 6/269).
التطور التاريخي للموقف الفقهي
في العصر النبوي والخلفاء الراشدين، أقر النبي ﷺ الدف في الأعراس والأعياد كما في حديث عائشة «زففوا النساء بالدف»، في حين كان عمر بن الخطاب ينهى عن المزامير ويصفها بأنها «شيطان الطرب».
في عصر التابعين، كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تعلم الجواري الغناء بالدف في المناسبات، لكن في المقابل حذر الحسن البصري قائلاً «الغناء ينبت النفاق في القلب» وقال الشعبي «الغناء رقية الزنا».
أما في العصر العباسي، فشهد ازدهارًا كبيرًا لفن الغناء على يد موسيقيين كإسحاق الموصلي، في مقابل موقف فقهي معارض عبر عنه الإمام أحمد بن حنبل بقوله «المعازف خمر النفوس»، وسفيان الثوري الذي قال «الغناء يزيد في النفاق».
ومع تدوين المذاهب، ظهر اتفاق على إباحة الدف في المناسبات الشرعية، وتحريم بقية الآلات إذا أفضت إلى اللهو المضل أو الفتنة، مع بعض التفاصيل الدقيقة لكل مذهب.
الضوابط الشرعية المعاصرة (التطبيقات العملية)
حالات الجواز المعاصرة تشمل الأناشيد الدينية التي تخلو من الإثارة أو الفحش، كما أشار إلى ذلك الدكتور يوسف القرضاوي بقوله إن «ما خلا من الفحش والدعوة إلى الحرام مباح».
كما أجاز مجمع الفقه الإسلامي الموسيقى التصويرية في الأفلام الهادفة التي تحمل رسائل أخلاقية أو تعليمية، وظهرت أيضًا فتوى من الأزهر في 2019م بإباحة العلاج بالموسيقى إذا ثبتت فائدته الطبية.
أما حالات التحريم فهي واضحة في الأغاني المصاحبة لمشاهد فاضحة أو رقص خليع، موسيقى الحفلات المختلطة التي تثير الغرائز، والألحان المصممة لإثارة الشهوات وإلهاء الناس عن الصلاة وذكر الله.
الفرق بين الغناء والإنشاد
الغناء في الفقه واللغة هو تطريب الصوت بكلمات شعرية أو نثرية قد تكون مباحة أو محرمة، وقد يُصاحبه لحن موسيقي أو لا. الغناء المحرم هو الذي تكون كلماته فاحشة، أو يدعو للمعصية، أو يثير الشهوات، أو يلهي عن الصلاة والذكر.
أما الإنشاد فهو أداء صوتي منظم بكلمات مباحة ذات مضمون ديني أو أخلاقي أو تربوي، وغالبًا ما يكون دون معازف، أو بمصاحبة الدف المباح شرعًا في المناسبات. وقد أجازه أغلب العلماء إذا خلا من الفحش والدعوة إلى المنكر، حتى ولو كان ملحنًا.
الفرق الجوهري بينهما في الشريعة هو في المضمون والوسيلة والهدف. الإنشاد مقصود به التذكير والخير والوعظ، بينما الغناء قد ينقلب إلى لهو مضل إذا خرج عن الضوابط الشرعية.
ضوابط غناء المرأة في الشريعة
أجمع الفقهاء على أن صوت المرأة ليس بعورة في ذاته، لكن يحرم خضوعها بالقول أو تليينه لإثارة الفتنة.
لذلك وضعوا ضوابط لغناء المرأة:
أن يكون للنساء خاصة دون اختلاط بالرجال.
أن يكون في المناسبات المباحة كالزواج والعيد.
أن يقتصر على الدف المشروع، دون آلات محرمة.
ألا يكون بكلمات فاحشة أو مثيرة.
ألا يكون فيه خضوع بالقول أو تكسير في الأداء يثير شهوة السامع.
وقد استدلوا على الجواز المقيد بإقرار النبي ﷺ غناء الجاريتين في بيت عائشة يوم العيد بالدف، مع منعه لأبي بكر من إنكاره في ذلك السياق المشروع.
الخلاصة الفقهية
الآلات الموسيقية في الفقه الإسلامي مباحة إذا اقتصرت على الدف في الأعراس والأعياد، محرمة أو مكروهة في أغلبها عند جمهور العلماء، إذا أفضت إلى اللهو الفاسد أو ألهت عن ذكر الله.
أما الغناء، فهو مباح إذا كان بكلمات طيبة، في مناسبة مشروعة، وخالٍ من المعازف المحرمة، ومحرّم إذا اقترن بالفحش أو اللهو المضل أو الآلات المحرمة.
قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين:
«الفرق بين الحلال والحرام في الغناء: دفقة قلب وخفقان جفن. فما هزَّ القلب للهو فهو مذموم، وما حرَّكه للخير فهو محمود».
والمعيار الشرعي الدقيق هو المقصد والأثر: فما كان وسيلة للخير مباح، وما كان وسيلة للفساد ممنوع.
فلسفية معاصرة
إن جدل الغناء والموسيقى في الفقه الإسلامي ليس جدلًا حول الأصوات والألحان في حد ذاتها، بل هو في جوهره سؤال أخلاقي وإنساني عن أثر الجمال في النفس، ودور الفن في تهذيب الوجدان أو إفساده.
لقد أدرك الفقهاء منذ القدم أن الموسيقى قوة ناعمة، قادرة على أن تحرّك القلوب نحو الخير أو أن تغريها بالهوى، وأن الفن، ككل أداة في يد الإنسان، مرآة لنيته، وحامل لرسالته، وميدان لصراعه الداخلي بين النزاهة والشهوة، بين السمو والانحدار.
في عصرنا الذي تتدفق فيه الأصوات والصور بلا حدود، لم يعد الحكم على الموسيقى والغناء مسألة فقهية صرفة فحسب، بل صار سؤالًا حضاريًا: كيف نحافظ على نقاء ذائقتنا في عالم يلهينا عن ذواتنا، كيف نطهر حواسنا في زمان تُباع فيه الإثارة الرخيصة بثمن زهيد؟
الموسيقى اليوم صناعة عالمية ضخمة، تُسوق للمتعة الفارغة أكثر مما تُغني الروح. لكنها أيضًا لغة إنسانية خالدة، قادرة على حمل قيم الحق والخير والجمال متى طابت نية صانعها وصفا مقصده.
إن على المسلم المعاصر أن ينقل روحه من دائرة التحريم المجرد إلى دائرة التمييز الواعٍ، فيسائل كل نغمة يسمعها: إلى أين تأخذني؟ ماذا تصنع في قلبي؟ أترفعني أم تهوي بي؟
فالغاية ليست في المنع لذاته، بل في بناء إنسان يزن كل شيء بميزان القيم، يختار من الفن ما يبني ولا يهدم، ويؤمن بأن الجمال الحق لا يمكن أن يكون أبدًا عدوًا للفضيلة.
بهذا الفهم العميق، لا يغدو تحريم ما يفسد إلا حماية للجمال الحقيقي. ولا تغدو الإباحة إلا دعوة إلى تسخير الفن لخدمة الإنسان، ليرتقي بوجدانه، ويحتفي بالخير، ويشهد في الألحان – مثلما في الصمت – تجليات رحمة الله وجلاله.
ما عندك موضوع يا زهير.
مجرد المحاولة لتوضيح امر من أمور المسلمين فيه أشكال هو جهد يشكر عليه صاحبه.
تحياتي زهير، سمعت مثل الناس في شنو والحسانية في شنو؟؟ والله انا خايف من نفس الكابوس يرجع لينا من جديد ونبقى اسوء من افغانستان مع الحاصل فينا،،، يعني لمن نحاول نسمع اغنية الود لوردي التي كتب موسيقاها اندريا رايدر الموسيقار الايطالي الشهير، نمشي لكتب ابن تيمية وللشيخ العثيمين عشان نستفتيهو في الموضوع؟؟ البشرية عدت هذه المرحلة منذ الف عام او يزيد وانت بتسال عن الحصل في القرون الوسطى،؟؟؟، تعرف مسافة الوعي والفكر بيننا وبين بقية البشر اكثر من الف عام،، يعني عندما وضع مندليف الجدول الدوري الحديث عام 1883 كان المهدي عندنا بيحلم بالنبي؟؟؟؟؟؟