ماذا حدث لهذا الصحفي؟ وماذا يرى في الأفق؟

✍ حسن عبد الرضي الشيخ
في مقاله الأخير “حان وقت القرارات الكبيرة”، بدا عثمان ميرغني – أحد أكثر الصحفيين السودانيين جدلًا – كمن أفاق فجأة من حلم طويل، لينظر إلى وطنٍ يغرق في الفوضى، ثم يُلقي على كاهل من دمّره مهمة إنقاذه! فماذا حدث لعثمان؟ وهل يرى مستقبلًا حقيقيًا في هذه الطروحات المتأخرة؟ وهل قنط من أمل حكومة كامل إدريس، أم يحاول الهروب من سفينة الكيزان الغارقة دون أن يبدو كمن قفز منها؟
الحيرة الفكرية.. واليقظة المتأخرة
لا تخلو مقدمة عثمان ميرغني من نَفَسٍ عقلاني في ظاهرها: دعوة إلى “قرارات كبيرة” تنبع من “المصلحة العليا”، لكن سرعان ما تنكشف التناقضات، حين يطلب هذه “القرارات الجريئة” ممن تسببوا في الكارثة الوطنية، بل ويمتدح فيهم “امتلاك أدوات الفعل”! فهل يعقل أن نطلب من الجلاد أن يعيد ترتيب غرفة الإعدام ليُخفف عذابات الضحية؟
عثمان، الذي ظل يقدّم نفسه كصوت للعقلانية، يبدو وكأنه فقد البوصلة. فمن جهة، يصف البرهان بأنه “يبحث عن السلطة للسلطة”، ومن جهة أخرى لا يطلب منه التنحي، بل يتغاضى عن جرائمه، مفضّلًا الحديث عن “الحركة الإسلامية” بوصفها اللاعب الأكثر تأثيرًا، مطالبًا إياها بـ”قرار طوعي” بحل نفسها!
أسئلة تطرق جدار العقل: هل فقد عثمان حلم الوزارة؟
في أفق هذا المقال، تلوح تساؤلات حقيقية يجب طرحها بجرأة:
هل كان عثمان ميرغني يحلم بالاستوزار في حكومة كامل إدريس وفقد الأمل؟
يمكن للقارئ المتابع أن يشعر بتبدد حرارة الاندفاع التي كانت تميز مقالات عثمان الداعمة لمشروع “حكومة الأمل”، وكأنه أدرك أن القطار الذي كان ينتظر ركوبه لن يتوقف له، أو أن المقاعد قد مُلئت بوجوه أخرى. فانطفأ الحماس، وبدأت نغمة “القرارات الواقعية” بالظهور.
هل يحاول عثمان القفز من مركب الكيزان الغارقة؟
من اللافت في مقاله أنه لا يدافع عن الكيزان، لكنه لا يدينهم كذلك. يطالبهم بـ”حل طوعي” لحركتهم الإسلامية، متغافلًا عن أن الحركة التي يتحدث عنها لم تكن فقط حزبًا سياسيًا، بل منظومة فساد ودم وخراب قادت البلاد نحو التقسيم والتجويع. فهل يراهن عثمان على تسوية تحفظ مصالح تلك المجموعة، وتمنحها مقعدًا في مشهد المستقبل؟ هل يحاول أن يصنع لها طوق نجاة رمزي، كي لا تغرق كليًا، فيُغرق معها رمزية “الإسلام السياسي” التي ظل البعض يغازلها من بعيد؟
هل قنع عثمان من أحلام البرهان الخائبة؟
نقده المقتضب للبرهان أقرب إلى التوصيف منه إلى الإدانة. وكأنه يريد القول: “نعرف أنك لا تملك رؤية، لكن تملك السلطة، فاستعملها في ترتيب المسرح”. لكنه لا يسأل: بأي شرعية يحكم؟ وبأي وجه يمكن أن يُعيد تشكيل المشهد من دماء الأبرياء؟ عثمان لا يُواجه البرهان كما واجهه الثوار، بل يناشده كما يُناشد البيروقراطيون قادة المصالح.
دعوة لتفكيك الماضي أم تسويق لأفكار متأخرة؟
لا شك أن دعوة عثمان لحل الحركة الإسلامية وحل المؤتمر الوطني تحمل في ظاهرها قيمة رمزية. بل يمكن القول إنها من أفضل ما ورد في مقاله من حيث النية والطرح. لكن المشكلة أن توقيت هذه الدعوة يأتي بعد أن فَقَدَت سياقاتها. فالحركة الإسلامية اليوم ليست كيانًا سياسيًا يبحث عن شرعية، بل هي مليشيا وأذرع أمنية ومصرفية واقتصادية، تعيد إنتاج نفسها عبر الحرب، لا عبر صناديق الانتخابات.
إن الحديث عن “حل طوعي” لحزب سياسي، بعد أن استحال إلى تنظيم عنفي سري، ليس إلا تمرينًا فكريًا بعيدًا عن الواقع. بل هو، في جوهره، محاولة لتبييض تاريخ الإجرام السياسي عبر صياغات ناعمة.
ما الذي يراه عثمان في الأفق؟
بدا عثمان، في مقاله، كمن يُنظّر لمشهد سياسي منتهي الصلاحية. اختفت من مقاله أي إشارة لقوى الثورة، أو لمشاريع الانتقال المدني، أو لوجوه المستقبل الممكن. وكأن لا أحد بقي على المسرح سوى البرهان والكيزان. أما بقية السودانيين، فهم مجرد مشاهدين في مسرحية مكرورة.
بين النقد والدعم.. كلمة حق
رغم كل هذا، لا يمكن إنكار أن عثمان تجرأ على طرح بعض أفكاره بصراحة غير مألوفة منه، خصوصًا في نقده المباشر لسلطة المؤتمر الوطني، وتوصيفه لحالة الإنكار، وتذكيره بقرار الترابي السابق بحل الحركة الإسلامية. هذا الخيط من الصراحة – وإن جاء متأخرًا – يستحق أن يُدعم، شريطة أن لا يتحول إلى غطاء لتسوية فاسدة.
الخاتمة: عثمان الذي لم يعد كما كان
عثمان ميرغني، في مقاله الأخير، ليس هو الصحفي ذاته الذي كان يحلل المشهد بوضوح بين “ثورة وثورة مضادة”، بل بدا وكأنه يبحث عن خيوط متبقية لسيناريو “نظام جديد بأدوات قديمة”. إنه لا يزال يكتب، لكن من موقع مُربك. لا هو مع الثورة بوضوح، ولا هو مع العسكر تمامًا، ولا هو قادر على نقد الذات.
ربما كان يحلم بمنصب، أو يبحث عن دور مفقود، أو يخشى أن يضيع تاريخه بين الضفتين. لكن ما يجب أن يعلمه عثمان، أن السودان الجديد لا يُبنى بنصائح موجهة للجلادين، بل بإرادة المقهورين الذين لن يعودوا إلى بيوتهم إلا حين ينهار المسرح القديم كله، بمن فيه، وبمن كتب له حوارات المرحلة.
((الحيرة الفكرية.. واليقظة المتأخرة )
عثمان كان لديه أمل في حكومة (الأمل) وخاب أمله ,
مجرد ذكره (حل المؤتمر الوطني ) المحلول , قد حرق كل شئ حتي صفحته في أكس (تويتر)
وعليه الأن البحث عن منصة ليقدم إعتذاره لسناء حمد إن قبلت ذلك .