مقالات سياسية

لأجل سودان جديد و وطن حديد !!

سيد محمود الحاج

عاجلاً أم آجلاً ستكف عجلة الحرب عن الدوران ، إلّا أنّ مسبباتها ستظل قائمة مالم يتم تداركها و أقتلاع جذور تلك المسببات من منبتها ، و هذا يستلزم أن نحفر عميقاً لإزالة كل الرواسب و إلّا فإن كل حرب ستلد حروبا أخرى تماماً مثلما تهدد الحرب القائمة الآن بإنبعاث أحقاد كامنة ظلت في إنتظار توفر الظروف المناخية المهايئة و هاهي قد توافرت الآن .. و عليه فإنه ينبغي العمل على إزالة كل المسببات واضعين نصب أعيننا وحدة الوطن و تماسكه فلا محالة أن الوطن لن يصمد طويلا إذا ما أستمر الحال على ماهو عليه اليوم و بوادر التشظي بات أمراً لا يخفى إلّا على من بعينه رمد !!

يحدث ما يحدث اليوم من قبل قلة لا تؤمن بشيء إسمه الوطن ، فلا يرون غير السلطة و المكاسب الشخصية وطناً .. أما الشعب في أنظارهم فليس بأكثر من قطعان تساق إلى المرعى تحت إمرة الراعي الذي يتحكم في القطيع كيفما شاء فلا يُسأل مواطن عن رأي و لا ينبغي له أن يرفع صوتا فوق صوت سيّده فالسيّد هو الآمر الناهي و ما القطيع إلّا ملكاً لصاحبه يتصرف فيه كيف يشاء .. يحيى و يميت .. يشري و يسوم .. يعز من يشاء و يزل من يشاء ، فالسلطة و البندقية جعلتهم و كأنهم آلهة فوق مستوى البشر !! فللننظر إلى أفعال عصبة ما أسموه بالمؤتمر الوطني ، و الوطن بريء من كل فرد منهم و كان الأحرى أن يُسمّى بالمؤتمر الوثنيّ ، فهل أبقوا من السوء مالم يمارسوه و هل مالحق بالوطن من تدمير و خراب و فساد مارس مثله أسوأ الطغاة الذين مرّوا عبر التاريخ و مع ذلك ما زالوا يكدحون و يتآمرون لأجل إستعادة السلطة و إجهاض الثورة التي كانت ستحرمهم من ذلك النعيم الذي ظلوا ينعمون به لعقود ثلاث !!

فلأجل بناء وطن جديد قويّ متين يجب علينا أن نحوّل أنقاض و رواسب الحرب إلى مادة صلبة بعد غربلتها تماماً من كل الشوائب ثم نعمل معاً بكل أطيافنا لنشيد منها صرحاً متيناً صامدا يخرس فيه صوت القبلية و الجهوية و الإثنية البغيضة و علينا أن نؤمن بأن إقصاء الأحزاب جميعها و الطرق الصوفية و الإدارات الأهلية واجب لا بدّ من أدائه لكي لا يعلو صوت فوق صوت الوطن و أن يكون الحزب الأوحد هو السودان لا غيره
فالأحزاب منذ نشأتها لم تضع الوطن نصب أعينها و كل ما كانت و ظلت تسعى له هو السلطة و المناصب فقط ، فكم من حزب تآمر مع القوات المسلحة لقلب نظام الحكم ليصل عبرها للإمساك بالسلطة فحزب الأمة جاء بإبراهيم عبود و الحزب الشيوعي جاء بجعفر نميري كما جاء حزب الجبهة الإسلامية بنظام عمر البشير . اما زعماء الإدارات الأهلية و الطرق الصوفية فقد ظل معظمهم أدوات يوظفها الحكّام الوطنيين و قبلهم المستعمر لتنفيذ أجندتهم عبر الولاء القبلي لزعماء القبائل و تأثير شيوخ الطرق الصوفية على أتباعهم .. ففي عهود الديموقراطية كان يفرضون على الأتباع التصويت لمن يأتي مرشّحاً من قبل هؤلاء الزعماء و الشيوخ بغض النظر إن كان صالحاً أم طالحاً .. و في عهود حكم العسكر كانوا هم من يصدرون يصدرون الأوامر للأتباع بألّا يخرجوا على طاعة الحاكم !!

فإن لم نحكّم صوت العقل و إن لم نجعل بقاء الوطن الواحد هو جلّ همنا و إن لم نمسح من ذاكرتنا كل شوائب الماضي تلك التي تفاخر و تباهي بالأنساب و بالقبيلة و الطائفية و الأيدولوجيات بشتى أنواعها فلن نسير خطوة إلى الأمام و سيمضي دوننا الركب .. و لهذا ينبغي ألا يفرق بيننا دين و لا لون ، فالإنسان أخ الإنسان مهما تبائنت المعتقدات و الألوان و السحنات و علينا أن نجعل الوطن و سلمه و سلامته هي أقصى أمنياتنا و أن نعمل جاهدين على تغيير كثير من سلوكياتنا و عاداتنا غير المستحبة فيما بيننا ، و أن نقدّم أنفسنا للآخرين بصورة أكثر حضارية لنجبرهم على إحترامنا كشعب له حضارة تجاوزت آلاف السنين … حضارة السودان وحده لا حضارة عرب أو أفارقة و لنكن سودانيين لا ينتمون لغير هذا السودان الذي نتشرف بالإنتساب إليه و الذي قصرنا في حقه كثيراً و هو الذي لم يقصّر في حقنا يوماً لكن عوامل عديدة تضافرت لتبعدنا و تضعف حس الهوية و الإنتماء و لعل ذلك هو سبب ما نعانيه اليوم فالحرب بين الإثنيات كانت متوقعة لمن ينظر بعين العقل .. فالأحقاد مترسبة في النفوس و الهوية ضائعة بين نعرات القبلية و اختلاف المعتقدات و زاد من إشتعالها و علو صوتها أؤلئك الذين أدعوا كذباً بأنهم جاءوا لرفع لواء الإسلام إلا أنهم في الحق أساءوا للإسلام كثيراً و فعلوا به مالم يفعله ألدّ أعدائه و كأن بينهم و الإسلام حقد دفين .. و كأن بينهم و هذا الوطن وشعبه ثأراً قديماً و عداءً مستحكماً !!

إن العروبة التي نصرّ على الإنتماء إليها ماهي إلّا غطاء زائف و لن تعرف حقيقة زيفه إلا حين تغادر الوطن إلى غيره سوى إلى دول العرب او دول الغرب فلن تُنسب لغير أفريقيا و ما أعظم الإنتساب إليها لو كنتم تؤمنون بأن لاشيء يعدل الوطن و ألّا حضن أدفأ من حضن الأم !! فإذا ما تصالحنا مع أنفسنا و تمسّكنا بهويتنا و جعلناها مصدر فخرنا و أعتزازنا و تغاضينا عن كل إحساس يخالف ذلك و قبلنا ببعضنا دون تمييز بين معتقد او لون او سحنة أو لسان فلا ريب أننا سوف نبني وطناً سامقاً شامخاً ملؤه المودة و السلام و ساعتها سنتقدم خطوات على الركب الذي تجاوزنا بعيداً فلدينا من الثروات و الإمكانيات ما يمكّننا من أن نصبح من أعظم الأمم إذا ما وضعنا وراء ظهورنا كل ترسبات الماضي و مرائره .. فقط علينا أن نسعى بكل جهد ممكن لتنظيف التربة و تهيئتها و العمل على إزالة كل المثبطات و القضاء على كل الطفيليات التي حالت دون المضي في طريق التقدم و الإزدهار !!

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..