
د. أحمد الياس حسين
الثقافات السودانية المبكرة في الألف 5 ق م
Maria Carmela Gatto, 2002, “Ceramic Traditions and Cultural Territories: the Nubian GroupS in Prehistory” Sudan and Nubia, Bulletin no. 6, pp 8 – 19.
قامت ماريا كارملا جَتو في موضوعها أعلاه المعنون “المجموعة النوبية قبل التاريخ: تقاليد الفخار والمناطق الثقافية” بدراسة العلاقات بين الثقافات المبكرة. وبمراجعة مجموعة كبيرة مما تم العثور عليه من الفخار الذي يعود إلى الألفين الخامس والرابع قبل الميلاد في منطقة واسعة شملت في مصر: جنوب مصر ووادي الحمامات في الصحراء الشرقية والواحة الداخلة في الصحراء الغربية. وشملت في السودان أربع مناطق: 1. منطقة صحراء العتباي فس شرق النيل و2. مناطق البطانة والقاش وأعالي نهر عطبرة و3. منطقة النيل بين الخرطوم وأسوان و4. مناطق لقية ووادي هور ونبتا بلايا والجلف الكبير في غرب النيل.
ويلاحظ أن الباحثة تناولت كل هذ المناطق المذكورة أعلاه تحت اسم “النوبية”
أوضحت الكاتبة أنها اتبعت نظرية (Theory of Style) التي تحدد شكل الصناعات الفخارية وتزيينها كعلامة مميزة للمجموعة الثقافية. وتوصلت الى وجود 105 نوع من أنواع الفخار قسمتها إلى 49 وحدة ثقافية اشتركت في بعض السمات واختلفت في بعضها. وقسمت هذه الوحدات الثقافية في كل مناطق دراستها إلى أربعة مراحل زمنية. تمتد كل مرحلة لخمسمائة عام كالآتي: المرحلة الأولى 5000 – 4500 ق م، المرحلة الثانية: 4500 – 4000 ق م، المرحلة الثالثة: 4000 – 3500 ق م، المرحلة الرابعة 3500 – 3000 ق م.
وسيتم هنا تناول المرحلتين الأولى والثانية في الألف الخامس قبل الميلاد، لأننا نود التعرف على أوضاع الثقافات السودانية المبكرة قبل قيام مملكة قسطل “تاستي” في الألف الرابع قبل الميلاد.
التواصل في النصف الأول من الألف 5 ق م
شهد النصف الأول من الألف الخامس قبل الميلاد (5000 – 4500 ق م) كما يتضح من الشكل رقم 2 قي موضوع جتو تداخل ثقافي إقليمي واسع بين الثقافات السودانية المبكرة شمل مناطق القاش وأعالي نهر عطبرة ومنطقتي الشلال السادس والثاني ومناطق وادي هور والجلف الكبير والواحة الداخلة في الصحراء الغربية.
فقد توصلت الباحثة بناءً على أنواع الصناعات الفخارية إلى 24 وحدة ثقافية في هذه الفترة. وجدت 10 وحدات ثقافية في مناطقتي البطانة والقاش معظمها مشترك مع الوحدات الثقافية لمناطق النيل ومناطق غرب النيل. وكانت الوحدات الثقافية في منطقة كسلا الحالية أكثرها تنوعاً، فقد اشتركت 7 من وحدات كسلا الثقافية مع الوحدات الثقافية في منطقة النيل والصحراء الغربية.
وتوصلت الباحثة إلى وجود 14 وحدة ثقافية في مناطق أبكان والجيلي وشقدود على النيل – كما في الشكل رقم 2 – اشتركت 9 منها مع ثقافات منطقة الصحراء غرب النيل. ويلاحظ أن وادي هور أغزر مناطق غرب النيل ثقافة إذ تضمن 15 وحدة ثقافية اشتركت مع بعض ثقافات منطقة غرب النيل وخارجها.
ويدل هذا التشابه الكبير في أنواع الصناعات الفخارية في المنطقة الواقعة بين كسلا والقاش شرقاً والجلف الكبير بالقرب من الحدود الليبية غرباً – كما اتضح في الفقرتين أعلاه – على التواصل المبكر في هذه المناطق في النصف الأول من الألف الخامس قبل الميلاد. وقد ساعدت الأوضاع المناخية في ذلك الوقت كثيراً على هذا التواصل.
وأدى ذلك التواصل بين النيل من جانب ومناطق وشرق السودان ومنطق وادي هور وشماليه من جانب آخر في النصف الأول من الألف الخامس قبل الميلاد إلى تطور وتنوع الثقافات. فقد ظهر نوع جديد من الفخار في وادي سهل ووادي شاو في منطقة لقية أُطلق عليه “الأفق النوبي المبكر في لقية”(ENHL) “Early Nubian Horizon of Laqiya.. ويتطابق هذا النوع من الفخار (ENHL) مع فحار ثقافة أبكان على النيل ومع ثقافة العصر الحجري الحديث في نبتا وبئر كسيبا وفترة الحجري الحديث المبكرة في الخرطوم.
التواصل في النصف الثاني من الألف 5 ق م
تضمن النصف الثاني من الألف 5 ق م )4500 – 4000 ق م) خمس وحدات ثقافية اثنتان في كل من النيل والصحراء الغربية وواحدة في الصحراء الشرقية وهي: 1. ثقافة نبتا بلايا 2. مجموعة وادي هور والجرف الكبير 3. المجموعة النوبية التي تضمنت ثقافة أبكان في منطقة الشلال الثاني ومنطقة لقية في الصحراء الغربية ودنقلة 4. المجموعة السودانية انحصرت في هذه المرحلة في منطقة الخرطوم 5. ثقافات منطقة الصحراء الشرقية
ميزت الباحثة في هذه المرحلة الثانية وفقاً لأنواع فخار 18 وحدة ثقافية في المنطقة الواقعة بين مناطق نبتا بلايا والنهر الأصفر (وادي هور) غربا ومناطق كسلا ووادي العلاقي شرقاً. وقد تمثلت ثقافات منطقة النيل في هذه المرحلة في مناطق أبكان وصاي ودنقلة والكدرو، وقد وجدت 15 وحدة ثقافية من مجموع وحدات هذه المرحلة الثمانية عشر في مناطق النيل مما يشير إلى تطور المجتمعات النيلية في النصف الثاني من الألف الخامس قبل الميلاد.
كما يتضح التواصل الكبير من منطقتي النيل وغرب النيل حيث اشتركت منطقة لقية مع النيل في مجموعة ثقافية واحدة، إلى جانب تواصلها مع صحراء العتباي في شرق النيل. وقد تم العثور في مقابر بالعتباي على ثلاث ثقافات تنتميان إلى هذه الحقبة وتشترك هذه الثقافات مع ثقافات النيل والصحراء الغربية.
ويلاحظ في نهاية الألف الخامس قبل الميلاد تطابق الكثير من ثقافات صناعة الفخار في الصحراء الغربية من وادي هور جنوباً وإلى الجلف الكبير شمالاً مع صناعة ثقافة فخار في منطقة النيل بين الشلالين السادس والأول وصحراء العتباي. ويرجع السبب في ذلك إلى التغيرات المناخية التي أدت إلى التحركات السكانية من وإلى النيل. وقد نتج عن ذلك التواصل قيام مملكة قسطل كما سنتناوله عند تناول مملكة قسطل.
وقد اعتمدت معيشة السكان في هذه المرحلة على صيد السمك، ولكن توجد أدلة من منطقة دنقلة والصحراء الغربية توضح ممارسة الرعي. وقد دخلت مجتمعات هذه المرحلة بين 5400 – 4000 ق م قترة العصر الحجري الحديث وبدأت في انتاج الغذاء الذي اعتمد أساساً على تربية الحيوان. (Gatto, 2002, p 16)
وهكذا يمثل الألف الخامس قبل الميلاد تطورا واضحا في الثقافات السودانية المبكرة بين منطقة القاش شرقاً وصحراء غرب النيل ووادي هور شرقاً. ورغم أن دراسة جتو قد تركزت على صناعة الفخار فلم تشمل المقابر ومحتوياتها، إلا أنها أوضحت ثراء تلك الثقافات من خلال تنوع صناعاتها الفخارية والسمات المشتركة بينها مما يشير إلى الأعداد الكبيرة لسكان المستوطنات وتطور أنماط غذائها ونظمها الاجتماعية.
وقد تمخض كل ذلك في ظهور الحضارات المبكرة في الألف الرابع قبل الميلاد في هذه المناطق بين خور القاش ووادي العلاقي شرقا ومناطق لقية ووادي هور عرباً قبل أن تتوج تلك التطورات بظهور مملكة قسطل (مملكة تاستي) نحو نهاية الألف 4 ق م.
(هذا ملخص موجز لبعض ما ورد في كتاب “مراجعات في تاريخ السودان 2” في مرحلة الاعداد)
الموضوعات القادمة التعريف بالسكان مؤسسي الثقافات المبكرة ولغاتهم