قبيلتي هي السودان: الهوية الوطنية بين سؤال القبيلة والانتماء للوطن

الطيب محمد جادة
في مجتمع متنوع مثل السودان، لا يكاد يخلو حوار من سؤال الهوية والانتماء القبلي: “إنت من وين؟” أو “قبيلتك شنو؟”، أسئلة تبدو بسيطة لكنها تكشف عن عمق التركيبة الاجتماعية والسياسية في البلاد.
حين أجبت أحدهم: “أنا سوداني وقبيلتي هي السودان”، لم تكن مجرد جملة عابرة، بل محاولة لإعادة صياغة مفهوم الهوية في بلد طالما ظلّ أسير التصنيفات القبلية والجهوية.
لا يمكن إنكار أن القبيلة لعبت دوراً محورياً في تاريخ السودان، فهي كانت عبر قرون إطاراً للتكافل الاجتماعي والتنظيم الاقتصادي وحفظ الأمن. لكن مع تحوّل الدولة الحديثة، أصبحت القبيلة أحياناً أداة للاستقطاب السياسي ومصدراً للنزاعات، خصوصاً عندما تُستغل في الصراع على الموارد أو السلطة.
القول بأن “قبيلتي هي السودان” ليس نفياً للتنوع، بل تأكيد على أن الهوية الوطنية يجب أن تتقدّم على الانتماءات الفرعية. فالوطن الذي يضم أكثر من 500 قبيلة ولغة محلية، لا يمكن أن يقوم إلا على أساس جامع، يجعل من الاختلاف تنوعاً ومن التعدد ثراءً.
في تجارب عدة بدول أخرى، أدى تجاوز العصبيات الضيقة إلى بناء دول قوية ومتقدمة، بينما بقيت البلدان التي أسرت نفسها في قوالب قبلية أو طائفية تعاني من التشرذم والصراعات الداخلية.
اليوم، يواجه السودان تحديات كبيرة: حروب، نزوح، أزمات اقتصادية، وانقسامات اجتماعية. وفي خضم هذه الأوضاع، يصبح خطاب “الوطن كقبيلة كبرى” ضرورة ملحّة لبناء الثقة بين مكونات المجتمع، وصياغة مشروع وطني جامع يضع مصلحة السودان فوق أي انتماء ضيق.
حين أقول “قبيلتي هي السودان”، فإنها ليست شعارات مثالية، بل دعوة لتجاوز الأسئلة التقليدية حول من نحن، والانتقال إلى سؤال أهم: كيف نبني معاً سوداناً يتسع للجميع؟