قنبلة زيورخ: هل يوسع الفجوة بين البرهان وحلفائه

حافظ يوسف حمودة
رغم أن ما دار في زيورخ بين البرهان والمبعوث الأمريكي ظل طي الكتمان إلا أن الجميع يترصد آثار هذا اللقاء ، حيث تزامن اللقاء مع قرار مهم يقضي بإخضاع جميع القوات المتحالفة مع الجيش بما في ذلك الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام ، لقانون القوات المسلحة . هذا التطور حمل معه إشارات عن طبيعة الضغوط الأميركية والتوازنات الداخلية التي تحكم المشهد .
قرار البرهان بإخضاع القوات في ظاهره يبدو مجرد خطوة قانونية عادية ، هدفها توحيد المرجعية العسكرية وضمان أن كل القوات تخضع لقانون الجيش . لكن في العمق ، يعكس حسابات أكثر تعقيداً . فمن ناحية ، هناك حركات مثل العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي ، ما زالت متمسكة بخصوصية منحتها إياها اتفاقية جوبا للسلام وترى أن القرار يتعارض مع مكتسباتها في السلطة والثروة . ومن ناحية أخرى ، ظهرت خلال الحرب الأخيرة مليشيات ذات طابع إسلامي جهادي صارت قوة فاعلة ومقلقة ، خصوصاً للولايات المتحدة التي تخشى أن يتحول نفوذها إلى عائق أمام أي تسوية سياسية .
فهل جاء القرار استجابة مباشرة لضغوط أمريكية في لقاء زيورخ ، أم أنه مجرد ترتيب داخلي في إطار القانون ؟ هناك من يرى أن واشنطن اشترطت خطوات ملموسة لإعادة ضبط التشكيلات المسلحة وتقليص نفوذ الإسلاميين ، وأن البرهان تجاوب مع ذلك لفتح باب الدعم الدولي . بينما يرى بعض المراقبين أن الخطوة مجرد واجهة قانونية لتجميل الوضع أمام المجتمع الدولي ، دون أن تعني فعلياً إضعاف الإسلاميين أو المساس بنفوذهم في الدولة .
على خلفية المشهد ظهر اتجاهان عند المراقبين : الأول يقول إن البرهان نسّق مسبقاً مع الإسلاميين أنفسهم ، ووافقوا على القرار باعتباره خطوة شكلية لا تغير من واقع قوتهم ، لكنها تقلل الضغوط الخارجية . أما الاتجاه الثاني فيرى أن القرار يعكس بداية رضوخ البرهان فعلياً لشروط واشنطن ، وأنه بات يدرك أن استمراره في المعادلة مرهون بالابتعاد عن الإسلاميين وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على نحو يرضي القوى الدولية .
الخطوة إذن تحمل أكثر من احتمال لمستقبل الصراع في السودان . فإذا مضى البرهان فعلاً في إعادة هيكلة جدية ، فقد نشهد تراجعاً لنفوذ الإسلاميين وإعادة دمج تدريجي للحركات المسلحة تحت مظلة الجيش ، وهو ما قد يفتح الطريق لتسوية سياسية جديدة ، لكنه سيواجه مقاومة قوية من الداخل . أما إذا ظل القرار مجرد غطاء قانوني ، فإن الواقع الميداني لن يتغير كثيراً ، وستبقى تعددية القوى العسكرية قائمة مما يعني استمرار الازدواجية والارتباك . وهناك أيضاً احتمال ثالث يتمثل في تصاعد الخلاف مع بعض الحركات المتمسكة بجوبا خاصة بعد اتهام الحركات للبرهان في خطابه الموجه للمجتمع الدولي بتشجيع الدعم السريع بفصل دارفور ، وهو ما قد يقود إلى صدام جديد داخل معسكر حلفاء البرهان نفسه .
في النهاية ، لقاء زيورخ وقرار إخضاع القوات للقانون يعكسان معركة توازن دقيقة بين ضغوط الخارج وحسابات الداخل . فهل يختار البرهان السير في طريق يرضي واشنطن ولو على حساب تحالفاته التقليدية ، أم يكتفي بمناورة شكلية تضمن بقاءه مؤقتاً ؟ أيّاً يكن الجواب ، فإن أثر هذه الخطوة على موازين القوى داخل المؤسسة العسكرية وعلى المشهد السياسي السوداني سيكون بالغ الأهمية في قادم الأيام .