تقارير استقصائية

وصية الترابي: تشريح الحركة الإسلامية السودانية من الداخل

مقدمة: الاعتراف الأخير للمُرشد الخفي

لم يكن حسن الترابي مجرد سياسي عابر في تاريخ السودان الحديث، بل كان العقل المُدبر، والمُنظّر الأيديولوجي، والمُرشد الخفي (éminence grise) الذي صاغ مصير البلاد لعقود. بشخصيته المركبة التي جمعت بين تكوينه كخبير في القانون الدستوري من جامعة السوربون وفهمه العميق للتراث الإسلامي، جسّد الترابي حالة فريدة من التناقضات.1 جاءت شهادته في برنامج “شاهد على العصر”، التي سُجلت قبل وفاته في مارس 2016 وبُثت حلقاتها تباعاً بعد ذلك 3، لتكون بمثابة وصيته السياسية الأخيرة وعمله الإخراجي الأخير لمسرحية حياته. لم تكن هذه الاعترافات مجرد سرد تاريخي، بل كانت أداة متعددة الأغراض: جزء منها تدوين للتاريخ من وجهة نظره، وجزء آخر تصفية حسابات مع تلامذته الذين انقلبوا عليه، وعلى رأسهم عمر البشير وعلي عثمان طه، وجزء ثالث كان بمثابة قصة تحذيرية لأجيال المستقبل من الإسلاميين.

أحدثت هذه الشهادات صدمة عميقة في المشهد السياسي السوداني، حيث قام الترابي، المهندس الأول لنظام “الإنقاذ”، بتفكيك الأساطير التي بنى عليها النظام شرعيته لقرابة ثلاثة عقود بشكل منهجي. لقد كشف أن المهندس المعماري أصبح في نهاية المطاف هو رئيس فريق الهدم لمشروع حياته. كان الترابي، بصفته مخططاً استراتيجياً طويل الأمد 4، يدرك تماماً أن إرثه بات على المحك في ظل نظام غارق في الفساد والعزلة الدولية، وأن خصومه سيسيطرون على الرواية التاريخية بعد رحيله.1 لذا، كانت مقابلات الجزيرة بمثابة ضربته الاستباقية الأخيرة؛ لم تكن مجرد اعترافات، بل كانت عملاً من أعمال الحرب السياسية من وراء القبر، تهدف إلى حفر روايته في ذاكرة التاريخ، وتبرئة ساحته من الفشل النهائي للنظام عبر إلقاء اللوم على خلفائه.

جدول 1: التسلسل الزمني للأحداث الرئيسية في تاريخ الحركة الإسلامية السودانية (1964-2016)

السنة/الفترة

الحدث الرئيسي

دور/منصب الترابي

وضع الحركة

1964

ثورة أكتوبر الشعبية

أشعل شرارتها بمحاضرة في جامعة الخرطوم 4

الانتقال من العمل السري إلى العلنية

1965-1969

تأسيس جبهة الميثاق الإسلامي

الأمين العام للجبهة 5

قوة سياسية صاعدة في البرلمان

1969-1977

انقلاب جعفر النميري

معارض وسجين سياسي

محظورة وتعمل في السر

1977-1985

المصالحة مع نظام النميري

النائب العام ومستشار الرئيس 1

فترة “التمكين” والتغلغل في مفاصل الدولة

1985

الانتفاضة الشعبية ضد النميري

سجين سياسي ثم زعيم للجبهة الإسلامية القومية

العودة كقوة سياسية رئيسية في الديمقراطية الثالثة

1989

انقلاب الإنقاذ الوطني

العقل المدبر للانقلاب 3

الاستيلاء على السلطة الكاملة

1989-1999

فترة الحكم المزدوج

المُرشد الروحي والسياسي للنظام، ورئيس البرلمان

هيمنة كاملة على الدولة والمجتمع

1999

“المفاصلة” (الانشقاق الكبير)

أُطيح به من قبل عمر البشير 1

انقسام الحركة إلى حزبين: المؤتمر الوطني (الحاكم) والمؤتمر الشعبي (المعارض)

2000-2016

سنوات المعارضة

زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض

معارض للنظام الذي أسسه، تعرض للاعتقال عدة مرات

2016

وفاة حسن الترابي

الجزء الأول: المهندس المعماري – صياغة طليعة سرية

في شهادته، يزيح الترابي الستار عن البنية الحقيقية للحركة الإسلامية في السودان، كاشفاً أنها لم تكن مجرد واجهة سياسية كجبهة الميثاق الإسلامي أو الجبهة الإسلامية القومية، بل كانت في جوهرها تنظيماً سرياً، هرمياً، ومنضبطاً يعمل في الخفاء.10 يوضح الترابي كيف تعلمت حركته من أخطاء الحركات الإسلامية الأخرى، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي رأى أنها سُحقت مراراً بسبب افتقارها للسرية الاستراتيجية واعتمادها المفرط على التعبئة الجماهيرية دون امتلاك نفوذ حقيقي داخل مؤسسات القوة.7

عقيدة “التمكين” واستراتيجية التغلغل

لم يكن الهدف مجرد الدعوة والإرشاد، بل تحقيق “التمكين” الكامل، أي السيطرة على مفاصل الدولة من الداخل. هذه العقيدة هي التي بررت أساليب السرية والتغلغل. يكشف الترابي عن خطة طويلة الأمد ومنهجية لزرع أعضاء موالين في كل مؤسسة حيوية في الدولة: الجيش، الأجهزة الأمنية، القضاء، الخدمة المدنية، وحتى النقابات العمالية والمهنية. كان هذا مشروعاً صبوراً استغرق عقوداً من الزمن.

الجهاز الأمني الموازي

أخطر ما اعترف به الترابي هو تأسيس جناح أمني واستخباراتي خاص بالحركة في وقت مبكر جداً.9 برر إنشاء هذا الجهاز في البداية بضرورة “حماية النفس”، لكنه سرعان ما نما ليصبح قوة هائلة قادرة ليس فقط على حماية الحركة، بل على مراقبة أجهزة أمن الدولة نفسها والأحزاب السياسية المنافسة. تباهى الترابي بقدرة هذا الجهاز على تتبع اتصالات وتحركات قادة الأحزاب الأخرى وكبار مسؤولي الأمن في الدولة، بل وحتى اختراق “كل أجهزة الأمن العربية” دون أن يتم كشفهم.9

إن هذا الاعتراف يكشف عن حقيقة عميقة؛ فالنظام الأمني القمعي الذي ظهر بعد عام 1989، والذي انتقده الترابي لاحقاً بسبب وحشيته وغياب المساءلة فيه 13، لم يكن انحرافاً أو طارئاً، بل كان النتيجة المنطقية والحتمية للأصول السرية للحركة. لقد زرع المهندس بنفسه بذور الوحش الذي سيفترسه لاحقاً. فالحمض النووي للتنظيم السري، القائم على التجسس والسرية والولاء الأيديولوجي، تم نقله بالكامل إلى أجهزة الدولة بعد الاستيلاء على السلطة. وعندما كان الترابي يندب تجاوزات الأجهزة الأمنية بعد عام 1999، كان في الواقع يندب نضوج كائن من تصميمه.

الجزء الثاني: الضربة القاضية – فضح انقلاب 1989

يقدم الترابي في شهادته تشريحاً دقيقاً لانقلاب 30 يونيو 1989، واصفاً إياه بأنه تحفته الشخصية في الهندسة السياسية. وهو بذلك يهدم بشكل كامل الرواية الرسمية التي صورت الانقلاب على أنه تحرك عسكري عفوي لإنقاذ دولة منهارة.

الجوهر الإسلامي للانقلاب

يؤكد الترابي بشكل قاطع وحاسم أن الانقلاب كان “انقلابنا” 9، تم التخطيط له وتنفيذه بالكامل من قبل القيادة المدنية للجبهة الإسلامية القومية. أما الجيش، فلم يكن سوى “الأداة” المنفذة. ويوضح أن اختيار العميد آنذاك عمر البشير لم يكن لأنه العقل المدبر، بل لأنه الواجهة المناسبة؛ تم اختياره لرتبته العسكرية وولائه المتوقع، وليس لعبقريته الاستراتيجية، وقد تم إبلاغه بدوره في وقت متأخر من عملية التخطيط.3

السرية المطلقة والسيطرة المدنية

يكشف الترابي عن مستوى مذهل من السرية والانضباط. فالضباط الذين شكلوا “مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني” لم يكن يعرف بعضهم بعضاً قبل ليلة الانقلاب. كان كل ضابط يتواصل مع مسؤول مدني واحد فقط من الجبهة الإسلامية، ولم يُبلغ بمهمته المحددة إلا في اللحظة الأخيرة.3 هذه الطريقة، التي تُعرف بـ “التقسيم” (Compartmentalization)، ضمنت عدم تسرب الخطة وضمنت بقاء السيطرة الفعلية في أيدي القيادة المدنية.

الخدعة الكبرى

لكن الاعتراف الأكثر إثارة للدهشة هو الخدعة المتقنة التي تم تصميمها لإخفاء الهوية الإسلامية للانقلاب. اعترف الترابي بأنه دبر عملية اعتقال نفسه واعتقال قادة الجبهة الإسلامية الآخرين، ليدخل السجن جنباً إلى جنب مع القادة الديمقراطيين الذين أطاح بهم للتو.3 كانت هذه خطوة محسوبة لخداع القوى الدولية، وخاصة مصر والولايات المتحدة، والمنافسين المحليين، وإقناعهم بأن الانقلاب هو تحرك عسكري وطني وليس استيلاءً إسلامياً على السلطة.14

هذه الرواية تتناقض بشكل مباشر مع شهادات أخرى. فالصادق المهدي، رئيس الوزراء المخلوع، يصف الانقلاب بأنه “أسوأ ما حدث للسودان” وعمل قائم على “الخداع” 15، مما يعكس مرارة الخيانة التي شعرت بها الطبقة السياسية. وفي المقابل، نجد رواية عمر البشير نفسه أمام المحكمة بعد سنوات، حيث أعلن تحمله المسؤولية الكاملة عن الانقلاب، نافياً أي دور للمدنيين، في محاولة واضحة لتبرئة حركته السياسية.16 هذا الصدام في الروايات يكشف عمق الانقسامات والخداع الذي تأسس عليه النظام.

إن اعتراف الترابي المفصل بالخداع الذي كان في صميم الانقلاب يكشف عن “الخطيئة الأصلية” للنظام. فالنظام الذي تأسس على كذبة جوهرية حول هويته الحقيقية، كان محكوماً عليه بالضرورة أن يتبنى ثقافة الكذب والقمع للحفاظ على سلطته. لحماية هذه الكذبة، كان لا بد من قمع كل من يتحدث بالحقيقة، وهو ما يفسر الحل الفوري للبرلمان والأحزاب والصحافة الحرة.17 هذه الثقافة من الخداع تغلغلت في كل شيء، وأدت في النهاية إلى الفساد وانعدام الشفافية الذي ندد به الترابي نفسه لاحقاً.13 لم يكن الإفلاس الأخلاقي والسياسي للنظام تطوراً متأخراً، بل كان مبرمجاً في شفرته الوراثية منذ لحظة تأسيسه.

الجزء الثالث: العراب – ممارسة السلطة من الظل

يستعرض هذا الجزء العقد الأول من حكم الإنقاذ (1989-1999)، وهي الفترة التي كان فيها الترابي الحاكم الفعلي والمرشد الأيديولوجي المطلق للثورة، حتى وإن لم يشغل منصباً رسمياً رفيعاً في معظمها. تكشف شهادته عن وجود هيكل سلطة موازٍ وسري كان يرسم سياسات الدولة الحقيقية.

“مجلس الأربعين” السري

يعترف الترابي بوجود مجلس قيادة سري، يُشار إليه أحياناً بـ “مجلس الأربعين”، يتألف من أبرز قادة الحركة الإسلامية وعلى رأسهم هو شخصياً. يؤكد أن هذا المجلس هو الذي كان يتخذ القرارات الاستراتيجية الحقيقية، والتي كانت تُمرر بعد ذلك إلى الحكومة الرسمية ومجلس قيادة الثورة لتنفيذها.7 هذا الاعتراف يؤكد أن مؤسسات الدولة الرسمية كانت في كثير من الأحيان مجرد واجهة شكلية.

السودان كمركز للتنظيمات الإسلامية العالمية

يتناول الترابي قراره المثير للجدل بتحويل السودان إلى ملاذ آمن لشخصيات إسلامية عالمية. يتحدث عن استضافة أسامة بن لادن، ويصور الأمر على أنه محاولة لتوجيه طاقاته نحو الاستثمار المحلي في السودان (البناء والزراعة) بدلاً من “الجهاد” العالمي.18 كما يروي تفاصيل عملية القبض على إليتش راميريز سانشيز، المعروف بـ “كارلوس الثعلب”، وتسليمه إلى فرنسا، واصفاً إياها بأنها صفقة تبادلية.1

قضية أديس أبابا: محاولة اغتيال مبارك (1995)

تعتبر هذه القضية من أخطر ما كشفه الترابي. فقد نفى بشكل قاطع علمه أو موافقته على محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك. وبدلاً من ذلك، ألقى باللوم كاملاً على نائبه وتلميذه آنذاك، علي عثمان محمد طه، مدعياً أن طه تصرف بشكل سري وبالتنسيق مع عناصر من “الجماعة الإسلامية” المصرية.13 وأضاف الترابي تفصيلاً خطيراً وهو أن علي عثمان طه أخذ سراً أكثر من مليون دولار من أموال الجبهة الإسلامية لتمويل العملية.19 يعترف الترابي بأن هذه الحادثة كانت كارثية على السودان، حيث أدت إلى فرض عقوبات دولية وتكريس صورته كدولة مارقة وداعمة للإرهاب.12

هنا يظهر تناقض السيطرة؛ فمحاولة الترابي إلقاء اللوم على نائبه، رغم أنها تهدف إلى تبرئة نفسه، تكشف في الواقع عن حقيقة أعمق: النظام السري والمجزأ الذي خلقه كان فعالاً لدرجة أنه أصبح من الممكن استخدامه ضده من قبل أقرب مساعديه. لقد أنشأ آلة من المكائد والمؤامرات لم يعد قادراً على التحكم فيها بالكامل. فالنظام الذي مكّن الحركة من الاستيلاء على السلطة، هو نفسه الذي خلق مراكز قوى داخلية قادرة على التصرف بشكل مستقل في قضايا عالية المخاطر. أصبح الترابي ضحية للسرية التشغيلية التي كان بطلها، مما يوضح المعضلة الكلاسيكية للقائد الثوري الذي يفقد السيطرة على أدوات ثورته.

الجزء الرابع: الحساب – تشريح الفشل والانشقاق الكبير

يركز هذا الجزء الأخير على النقد الذاتي الذي قدمه الترابي، وتفسيره للفشل النهائي للمشروع الإسلامي وانشقاقه عن البشير. يقدم الترابي رواية مفادها أن مشروعه الفكري المثالي قد تم اختطافه وإفساده من قبل الجناح العسكري “الأقل تعليماً” الذي أوصله هو نفسه إلى السلطة.

سرطان الفساد

يعرب الترابي عن ندمه على “جهله” عندما ظن أن رجالاً قضوا عقوداً في التربية الدينية يمكن أن يكونوا محصنين ضد إغراءات السلطة والمال.13 يعترف بأن الفساد أصبح متفشياً، خاصة المحسوبية والإثراء غير المشروع الذي تورط فيه أقارب الضباط العسكريين، الذين يصفهم بأنهم “أقل تربية منا في الحركة الإسلامية”.13 ويعترف بأنهم “غضوا الطرف” لفترة طويلة جداً.

طغيان الأمن وغياب الشفافية

يقر الترابي بخطأ فادح تمثل في عدم تأسيس آليات للمساءلة العامة منذ اليوم الأول. ويتأمل قائلاً إنه لو أنهم عملوا “علناً وجهراً”، لكان النقاد والمعارضة بمثابة رقيب يحد من تجاوزات الحكام الجدد.13 لكن ثقافة السرية التي بدأت بها الحركة استمرت في الحكم، مما سمح للانتهاكات بأن تتفاقم في الظلام.

“المفاصلة”: انشقاق عام 1999

يروي الترابي تفاصيل صراع السلطة الذي دار بينه وبين عمر البشير. يصوره على أنه صدام بين رؤيته لدولة إسلامية تشاورية متطورة، ورغبة البشير في إقامة دكتاتورية عسكرية تقليدية مطلقة.1 بلغ الصراع ذروته عندما قام البشير بحل البرلمان (الذي كان الترابي رئيسه) وعزله من جميع مناصبه، منهياً بذلك هيكل القيادة المزدوجة ومؤدياً إلى انقسام الحركة الإسلامية إلى الأبد.

الدرس المستفاد

في لحظة تأمل عميقة، يخلص الترابي إلى استنتاج مدمر لمشروعه بالكامل، حيث يقول إن الحركات الإسلامية تجيد “إبطال الباطل” (أي الإطاحة بالأنظمة العلمانية)، لكنها لا تعرف كيف “تحق الحق” (أي كيف تحكم بعدل وكفاءة).14 كان هذا حكمه النهائي والقاسي على عمل حياته.

إن شهادة الترابي بأكملها هي دراسة حالة غير مقصودة لفشل نموذج “الفيلسوف والجندي”. لقد رأى نفسه العقل (الفيلسوف) ورأى في البشير الذراع (الجندي). لكن خطأه الكارثي كان في عدم إدراكه أنه في أي ترتيب من هذا القبيل، فإن من يملك السلاح يملك السلطة في نهاية المطاف. عندما نشأ الخلاف الجوهري حول تقاسم السلطة، لم تكن السلطة الأيديولوجية لـ “الفيلسوف” ندا للسلطة القسرية الغاشمة لـ “الجندي”.6 استخدم البشير ببساطة أجهزة الدولة لإزاحة مرشده. إن مرارة الترابي ودهشته تنبعان من فشله في فهم هذه الحقيقة الأساسية في سياسات القوة، وهي نقطة عمياء مدهشة لاستراتيجي محنك مثله.

خاتمة: الإرث الممزق وتوابع الحقيقة

في المحصلة النهائية، تعتبر شهادة حسن الترابي في “شاهد على العصر” المصدر الأولي الأكثر أهمية لفهم الديناميكيات الداخلية والتناقضات والانهيار النهائي للمشروع الإسلامي السوداني. دوافعه كانت مزيجاً معقداً من تبرير الذات، والرغبة في الانتقام، وربما شعور حقيقي بالندم. ولكن بغض النظر عن نواياه، فإن إرثه الأخير كان تقديم الإدانة الأكثر شمولاً وتدميراً لحركته.

لقد كشف عن أسسها القائمة على السرية والخداع، وفصّل انحدارها نحو الفساد والوحشية، واعترف بإفلاسها الفكري في فن الحكم. لقد غضب منه “الإسلاميون الديمقراطيون لأنه حالف الاستبداد وخطط للسلطة بالانقلاب” 20، بينما أكدت الوقائع على الأرض صدق نقده المتأخر، حيث حوّل نظامه السودان إلى “بلد من أكثر البلاد انحطاطاً في كل مؤشرات التنمية العالمية” وأشعل فيه الحروب.21

في محاولته لإنقاذ إرثه الشخصي من حطام النظام الذي بناه، انتهى به الأمر إلى كتابة شهادة وفاته النهائية. لقد ترك الإسلاموية السودانية قوة ممزقة، فاقدة للمصداقية، ومثقلة بإرث من الفشل لم تتعاف منه بعد.

المراجع

  1. حسن الترابي – ويكيبيديا, accessed August 21, 2025, https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B3%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%8A
  2. شاهد على العصر | حسن الترابي (1) الصراع بين التيار التغريبي والتحرري قبل استقلال السودان – YouTube, accessed August 21, 2025, https://m.youtube.com/watch?v=X6ZBqA1caWs&pp=ygUaI9ir2YjYsdipX9in2YTYqNmE2KfYtNmB2Kk%3D
  3. شاهد على العصر | حسن الترابي (9) تفاصيل الإعداد للانقلاب عام 1989 – YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=jSoIkIpMQZQ
  4. شاهد على العصر | حسن الترابي (2) الترابي أشعل ثورة 1964 من الجامعة – YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=R-WPuo6SPw4
  5. حسن الترابي (3) كيف استطاع الشيوعيون القفز على ثورة أكتوبر 1964 في السودان – YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=DhVDUdJQl4g
  6. ترويج شاهد على العصر- حسن الترابي ج15 | حوارية – الجزيرة نت, accessed August 21, 2025, https://www.aljazeera.net/videos/2016/7/21/%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%AC-%D8%B4%D8%A7%D9%87%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%8A-%D8%AC15
  7. شاهد على العصر| د. حسن الترابي: دور الترابى فى ثورة 1965 ضد نظام عبود – YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=1fGRG4pFyUo
  8. شاهد على العصر | حسن الترابي (6) نهاية عصر النميري وثورة 1985 – YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=eDg5UVKtg4g
  9. إعترافات شيخ حسن الترابي بخصوص انقلاب الإنقاذ – YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=PdVbDOQYFSk
  10. الحركة الإسلامية.. ضرورة المراجعة بعد التراجع – الجزيرة نت, accessed August 21, 2025, https://www.aljazeera.net/blogs/2016/11/26/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D8%B9%D8%AF
  11. الترابي يكشف تفاصيل التنظيم السري لإخوان السودان ج7 | حوارية …, accessed August 21, 2025, https://www.aljazeera.net/video/centurywitness/2016/5/29/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A
  12. شاهد على العصر | حسن الترابي (7) تفاصيل التنظيم السري للإخوان في السودان – YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=4CYkCUf5l1M
  13. شاهد على العصر | حسن الترابي (11) أخطاء الحركة الإسلامية في حكم السودان – YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=Y31JJ9sUH4w&pp=0gcJCfwAo7VqN5tD
  14. ماذا تحت العمامة؟ نقد أيديولوجي لتجربة الإسلاميين في السودان – مجلة سبل, accessed August 21, 2025, https://subulmagazine.com/?p=952
  15. شاهد على العصر | الصادق المهدي (16) انقلاب 1989 ورؤية الصادق لمستقبل السودان – YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=87N2rX8UHH8
  16. الرئيس السوداني السابق يعلن تحمل مسؤولية انقلاب 1989 – سبتمبر نت, accessed August 21, 2025, https://26sep.net/index.php/global/49244-1989
  17. حسن الترابي وتهافت المدينة الإسلامية الفاضلة أمام التطبيق – مجلة …, accessed August 21, 2025, https://alpheratzmag.com/arguments/20240100170/
  18. شاهد على العصر | حسن الترابي (13) آثار محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا على السودان, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=cwHCiYJaMqc
  19. علي عثمان طه – sudanleaks.com, accessed August 21, 2025, https://sudanleaks.com/%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%B7%D9%87/
  20. حسن الترابي.. مرَّ وهذا الأثر – الجزيرة نت, accessed August 21, 2025, https://www.aljazeera.net/opinions/2016/3/16/%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%8A-%D9%85%D8%B1%D9%91%D9%8E-%D9%88%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AB%D8%B1
  21. حسن الترابي والرحلة من “البأس” إلى البؤس – Ibn Rushd Fund Website, accessed August 21, 2025, https://ibn-rushd.org/wp/ar/2016/10/01/mohamed-mahmoud/
  22. عَبْدُ اَلْعَزِيزْ حَسَنْ عَلِي – مجلة افق جديد, accessed August 21, 2025, https://nehorizon-s.net/1541/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..