مقالات وآراء

الإسلاميون في السودان: قوة حقيقية أم وهم سياسي؟

ادم بركة دفع الله

تُثار دائمًا تساؤلات حول ما إذا كان الإسلاميون في السودان يمثلون قوة سياسية واجتماعية متجذرة، أم أن حضورهم ارتبط فقط بالاستفادة من مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش والأجهزة الأمنية. تتطلب الإجابة العودة إلى جذور الحركة الإسلامية السودانية، وتتبع مسارها التاريخي لفهم طبيعة نفوذها وحدود قوتها.

دخلت الأفكار الإسلامية الحركية إلى السودان في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين عبر بعض الطلاب السودانيين الذين درسوا في مصر وتأثروا بفكر جماعة الإخوان المسلمين. ومع قيام ثورة أكتوبر 1964، برزت “جبهة الميثاق الإسلامي” كأول إطار سياسي معلن للإخوان، لكنها ظلت محدودة التأثير مقارنة بالأحزاب الطائفية الكبرى كالأمة والاتحادي الديمقراطي، إضافة إلى الحزب الشيوعي السوداني.

في السبعينيات، عملت الحركة بقيادة حسن الترابي على تطوير تنظيمها عبر استلهام نموذج الأحزاب العقائدية، خاصة اليسارية منها، فاعتمدت على العمل الطلابي، ونجحت في التغلغل وسط الجامعات والنقابات المهنية. هذا النهج منحها قاعدة من الكوادر المثقفة، لكنه ظل محدودًا جماهيريا. انظر كتاب الترابي( الحركة الإسلامية التطوروالكسب والنهج)

مع تصاعد الأزمات السياسية في ثمانينيات القرن الماضي، أعادت الحركة الإسلامية صياغة نفسها تحت مسمى “الجبهة الإسلامية القومية”، ودخلت الانتخابات الديمقراطية عام 1986، وحصلت على مقاعد معتبرة، لكنها لم ترقَ إلى منافسة القوى التقليدية ذات الامتداد الطائفي والاجتماعي. عند هذه النقطة برز إدراك استراتيجي لدى قيادة الحركة بأن الوصول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع سيظل بعيد المنال.

التحول النوعي تمثل في بناء صلات وثيقة مع الجيش، وتجنيد ضباط متعاطفين مع المشروع الإسلامي، وهو ما تُوّج بانقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير وبإشراف الحركة الإسلامية. منذ ذلك الحين، ارتبط وجود الإسلاميين بالسلطة عبر مؤسسات الدولة، خصوصًا الأجهزة العسكرية والأمنية.

طوال ثلاثة عقود من الحكم، لم يعتمد الإسلاميون على الشرعية الانتخابية أو الشعبية الواسعة، بل على الآلة العسكرية لإقصاء الخصوم، وقمع الاحتجاجات الشعبية، والسيطرة على الموارد الاقتصادية والإعلامية. هذا جعل قوتهم مرتبطة أكثر بالدولة العميقة لا بالمجتمع.

إن قراءة مسار الحركة الإسلامية في السودان تكشف أن قوتها لم تكن نابعة من تجذر اجتماعي أو مشروع وطني جامع، بل من استغلال التدين الشعبي والتغلغل في مؤسسات الدولة. ولو جُرِّدت من أدواتها العسكرية والأمنية، فإنها ستنكمش إلى حجمها الطبيعي كتنظيم سياسي محدود، أقرب إلى جماعة ضغط منه إلى حزب جماهيري.

ومع ثورة ديسمبر 2018 وسقوط حكم البشير، برزت هذه الحقيقة بوضوح، إذ لم يستطع الإسلاميون حشد قواعد شعبية واسعة للدفاع عن سلطتهم، بل واجهوا عزلة متزايدة. كما أن الانفتاح الفكري والتواصل مع العالم عزز من تآكل خطابهم الأيديولوجي، وقلّص قدرتهم على التأثير في الأجيال الجديدة.

مع اندلاع حرب 15 أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، تكشفت بصورة أوضح هشاشة القاعدة الشعبية للحركة الإسلامية. فالإسلاميون لعبوا دورًا محوريًا في إشعال الصراع واستغلاله كفرصة للعودة إلى السلطة عبر التحالف مع المؤسسة العسكرية، لكن الواقع أثبت أنهم يفتقرون إلى أي سند جماهيري حقيقي داخل المجتمع السوداني.
فالحرب لم تشهد التفافًا شعبيًا حولهم، بل زادت من عزلة الإسلاميين، وأكدت أنهم يتحركون من خلال أدوات الدولة والسلاح لا من خلال قاعدة اجتماعية راسخة. وبذلك أصبحت الحرب بمثابة دليل قاطع على أن الحركة الإسلامية لا تملك جذورًا حقيقية في الوسط السوداني، وإنما وجودها قائم على الاستقواء بالعنف وبالمؤسسة العسكرية ممارستها في مناطق التي تسيطر عليها الجيش تضيق على الخصوم ومنع وتضيق على الناشطين وقانون الوجوه الغريبة.

يمكن القول إن الإسلاميين في السودان كانوا أقوياء بقدر ما امتلكوا أدوات الدولة لا بقدر ما امتلكوا قاعدة اجتماعية متجذرة. لذلك، فإن مستقبلهم السياسي مرهون بقدرتهم على التحول إلى حزب مدني طبيعي يقبل المنافسة الديمقراطية، وهي مهمة تبدو صعبة في ظل إرث ثلاثين عامًا من الحكم القائم على القوة لا الشرعية.

‫2 تعليقات

  1. يقول كاتب المقال ( ان الحركة الاسلامية لو جُرِدَتْ من ادواتها العسكرية والامنية سوف تنكمش الى حجمها الطبيعي ) انتهى ….يبدو أن كاتب المقال لا يعلم ان الحركة الاسلامية نالت في آخر انتخابات برلمانية عدد ثلاثة وخمسون دائرة معظمها من دوائر الخريجين مما أربك حتى حسابات الاحزاب التقليدية حيث انها اصبحت قوة جماهيرية لا يمكن تجاوزها في المجتمع السوداني … والآن الحركة الاسلامية طرحت لكم التحدي عن طريق صندوق الانتخابات وحمدوك وصحبه يرفضون ويقول زعيمهم خالد سلك في فيديو مشهور ( نحن الانتخابات ما بتجيبنا )
    ولكنهم يريدون ان يحكموا السودانيين بوضع اليد ولكن هيهات

  2. لا اتفق مع كاتب المقال في طرحه.. من الواضح أن الحركة الإسلامية استفادة من هذه الحرب بصورة واضحة نتيجة للانتهاكات التي تعرض لها الشعب من الطرف الآخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..