أخبار مختارة

هيكلة بنك السودان المركزي ضرورة لهيكلة القطاع المالي والمصرفي (3)

الهادي هباني

كشفت السياسة النقدية للعام 2021م المعلنة من قبل البنك المركزي في يناير الماضي عن فشله في إدارة السياسة النقدية وفي الرقابة عليها وعلى مجمل القطاع المالي والمصرفي وعن أنه يمثل أولي حلقات الفشل المخيِّم على مجمل القطاع المالي والمصرفي في البلاد وأحد أهم الأسباب الرئيسية في عزلته عن نظيره الإقليمي والعالمي وعن سوق رأس المالي العالمي بمختلف مكوناته وأدواته ومنتجاته. ثم جاء لاحقا الصراع الذي دار بين محافظ البنك المركزي ولجنة إزالة التمكين حول قرار الأخيرة بفصل أكثر من 200 موظف من بنك السودان والشركات والمؤسسات التابعة له ورفض المحافظ تنفيذ القرار ليبين بجلاء أن بنك السودان المركزي كان في عهد النظام البائد ولا يزال حتى اليوم أحد أكبر بؤر تمركز الدولة العميقة وهيمنة فلول النظام البائد والتي تمثل أحد أهم أسباب فشل البنك المركزي في إدارة ورقابة السياسة النقدية ولعب دوره المنوط به كأعلى سلطة نقدية في البلاد. وأن خضوعه لهذه المنظومة المحكمة من الهيمنة قد جعله طوال السنوات الماضية وحتى اليوم أحد أهم الأدوات الطيعة التي تستخدمها وتُسخِّرها الرأسمالية الإسلامية الطفيلية وحلفائها في الداخل والخارج لتحقيق مصالحها ومراكمة ثرواتها. وفي هذه الورقة نتناول أهم مظاهر وأمثلة هذا الفشل وأسبابه الجذرية واقتراح الحلول التي يمكن أن تعيد البنك المركزي والقطاع المالي والمصرفي عموما في مساره الوطني التنموي الصحيح.

  • أحدثت تجربة الصيرفة الإسلامية تغييرات سلبية على الصعيدين الرقابي والقانوني، معا، الحاكمة للقطاع المالي مما أسهم في إضعاف القطاع المالي.
  • تجاهل بنك السودان منذ منتصف عقد التسعينات استخدام الأدوات المعروفة في إدارة السياسة النقدية والتحكم في عرض النقد ممثلة في سعر الفائدة، الاحتياطي الإلزامي.

ثالثا: من المعروف أن وزارة المالية في أي بلد من البلدان هي المسئولة عن وضع وإدارة ورقابة السياسة المالية وأن وزارة التجارة تختص بتنظيم وإدارة ورقابة وتنشيط التجارة الداخلية والخارجية في حين أن البنك المركزي مسئولا عن وضع وإدارة ورقابة السياسة النقدية وفق الأدوات المعروفة عالميا. إلا أن بنك السودان قد تغول على صلاحيات وزارتي المالية والتجارة وساعده على ذلك صدور قانون تنظيم العمل المصرفي لسنة 1991م الذي أعطي المحافظ صلاحيات غير محدودة. فقد أصبح البنك المركزي هو الذي يصدر التعاميم التي تنظم الصادرات والواردات في حين أنها من صميم عمل وزارة التجارة، كالتعاميم الخاصة بصادرات الثروة الحيوانية، استيراد العربات، المبيدات، صادرات الذرة، صادرات الذهب، وشهادات المطابقة المبدئية للسلع، إلغاء ضوابط إصدار عقود الصادر بوزارة التجارة، تخصيص حصيلة الصادر لبعض السلع الاستراتيجية، السماح للقطاع الخاص باستيراد وتوزيع المشتقات البترولية بأنواعها المختلفة وغيرها من التعاميم التي بلغت في عام 2020م لوحده حوالي 21 تعميم تخص مجالات ليس لبنك السودان المركزي علاقة بها. فالبنك المركزي ليس مسئولا عن الصادر والوارد وبالسلع الممنوع استيرادها أو تصديرها فهي من اختصاصات وزارتي التجارة والمالية باعتبارها جزءا من السياسة المالية ويقتصر دوره فقط بتعميم قراراتهما الصادرة علي البنوك للالتزام بها فقط في الجوانب المتعلقة بتحديد نظام الدفع الذي يجب أن تلتزم به البنوك في تنفيذ عمليات الصادر والوارد كالاعتمادات المستندية وخطابات الضمان والتحويلات المصرفية المقيدة الخاضعة للضوابط المصرفية المتعارف عليها والتي يجب أن تكون ضمن سياسة نقدية مستقرة ملزمة للجميع وغير قابلة للتعديل وفقا لمصالح الطفيلية المتحكمة في الاقتصاد.

أهم الاختلالات التي أحدثتها عملية أسلمة القطاع المالي والمصرفي

أولا: أحدث التحول للنظام المصرفي الإسلامي العديد من الاختلالات العميقة في البنك المركزي وفي علاقته بالقطاع المالي والمصرفي والتي خلَّفت واقعا مريرا نتطرق لأهمها فيما يلي:

  1. أصبحت ودائع العملاء غير مضمونة بحكم أن العلاقة بين المودعين والبنك علاقة تقوم علي أساس عقد المضاربة الإسلامي حيث يمثل حملة الودائع أصحاب لرأس المال والبنك هو المضارب الذي لا يتحمل خسائر إلا في حدود ما خسره من جهده فقط وله نصيب في الربح بينما يتحمل أصحاب رأس المال (المودعين) كل الخسائر المالية ما لم يثبت من الناحية الشرعية أن تلك الخسارة كانت نتاجا لتقصير المضارب أو البنك حيث أن رأس المال من الناحية الشرعية في عقدي المضاربة والمشاركة عموما لا يجوز ضمانه وفقا للقاعدة الفقهية (الغُنمُ بالغُرمِ أو الخَرَاجُ بالضَمَانِ). وعلي الرغم من أن بنك السودان قد أوجد لاحقا في عام 1996م آلية إسلامية لضمان ودائع العملاء تقوم على التكافل بين بنك السودان، البنوك، وزارة المالية، والمودعين يدار بواسطة (صندوق ضمان الودائع المصرفية) الذي تم تأسيسه بموجب قانون صندوق ضمان الودائع المصرفية لعام 1996م، إلا أن الحد الأقصى للتغطية تعتبر ضعيفة جدا. إضافة إلى أن حصيلة اشتراكات البنوك بجانب مساهمة المالية وبنك السودان لا تغطي قيمة الودائع المصرفية حيث بلغت 390 مليون جنيه عام 2019م في حين بلغت الودائع المصرفية 362 مليار جنيه في نفس الفترة أي أن الصندوق يغطي فقط ما نسبته 0.11% من إجمالي قيمة ودائع العملاء (بنك السودان، التقرير السنوي 2019م). وهذا يعتبر من أكبر وأهم أوجه قصور الرقابة المصرفية علما بأن قانون بنك السودان لسنة 2002م المعدل 2012م وقانون تنظيم العمل المصرفي لسنة 2004م لا يضمنان ودائع العملاء. وهذا لا يتفق مع المعايير الدولية المتعارف عليها حيث تضمن كل الدول ودائع العملاء بموجب القانون. 
  2. المتغيرات الكبيرة التي حدثت علي مستوي الرقابة المصرفية وإدارة المخاطر عالميا وارتباط الجهاز المالي عموما والمصرفي علي وجه الخصوص باتفاقية بازل والصعوبات التي تواجهها المصارف الإسلامية عموما والسودانية بصفة خاصة باعتبارها جزء من منظومة مجلس الخدمات المالية الإسلامية (Islamic Financial Services Board “IFSB”) المتمثلة في عدم قدرة المؤسسات المالية الإسلامية بما فيها السودانية حتي الآن للتوافق مع متطلبات كفاية رأس المال ونظم إدارة السيولة وغيرها من المعايير الإشرافية المنصوص عليها في اتفاقية بازل بحكم اختلاف الهيكل المالي للمؤسسات المالية الإسلامية وطبيعة منتجاتها عن نظيرتها في البنوك والمؤسسات المالية التقليدية مما يضطر الأولي للتحايل علي معايير الصيرفة الإسلامية عن طريق تصميم منتجات وآليات وهمية معقدة لا تدعم الاقتصاد الحقيقي وتساهم في زيادة معدلات التضخم. وقد أسهم هذا الوضع في تعقيد مخاطر إدارة السيولة في البنوك السودانية وانعكس ذلك على ضعف سوق ما بين البنوك المنوط به دعم مراكز السيولة للبنوك بدليل أن مستحقات البنوك التجارية السودانية فيما بينها حسب الميزانية الموحدة للبنوك التجارية للعام 2019م قد بلغت فقط ما قيمته 9.5 مليار جنيه تمثل فقط ما نسبته 1.7% من إجمالي أصول البنوك التجارية البالغة 551 مليار جنيه في نفس العام (بنك السودان، العرض الاقتصادي والمالي، 2019م). فالصيرفة الإسلامية تعتبر أن إقراض النقود بين البنوك وغيرها أو تبادلها بفائدة محرما باعتباره الربا المحرم في الإسلام. فالربا فى اللغة تعنى الزيادة وفى الاصطلاح الشرعي تعنى (كل زيادة بدون عِوَض بعقد) أو بيع المتجانسين من الربويات بتفاضل أو بالأجل وهي تنقسم إلى أولا: ربا النسيئة: ويعنى الزيادة مقابل المدة (أو الزمن) أي استقراض النقود إلى أجل بزيادة (سعر فائدة) يتفقون عليها وقد تكون الزيادة ثابتة أو متغيرة (سعر فائدة ثابت أو متغير). وثانيا: ربا الفضل أو (ربا البيوع): ويعنى بيع المتجانسين من الأثمان أو أقوات الناس بزيادة فى مجلس واحد أو مثلا بمثل مع الأجل أو بيع المختلفين بالأجل والدليل على ذلك قول المصطفى عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) رواه مسلم. وفي سبيل التغلب على هذه المشكلة أنشأ بنك السودان صندوق إدارة السيولة بين المصارف برأس مال قدره 750 مليون جنيه منها 40% مساھمة نقدية و60% مساھمة عينية في صورة أوراق مالية حكومية ويديره بنك الاستثمار المالي. وبدأ عمل الصندوق الفعلي في سبتمبر 2015م وتمت زيادة رأس ماله في أكتوبر 2016م ليصبح 900 مليون جنيه بمساھمة جميع المصارف العاملة في السودان وذلك بقيمة اسمية 1000جنيه للصك الواحد. ويقدم التمويل للبنوك بصيغة القرض الحسن أي بدون أرباح، ولكن أدائه ضعيف جدا فقد انخفض عدد عمليات التمويل من 275 عملية عام 2018م إلى 247 عملية عام 2019م أي بمعدل أقل من عملية في اليوم الواحد وهو معدل لا يتناسب مع حجم التبادل اليومي في سوق ما بين البنوك في مختلف بلدان العالم.  وقد نتج عن هذا الوضع المختل المتمثل في دعم البنك المركزي كملجأ أخير للبنوك لتوفير السيولة وفقا للآليات الإسلامية المعقدة أن البنوك لم تلتزم بسداد التزاماتها للبنك المركزي في مواعيدها المحددة مما اضطر البنك المركزي لتحويل هذه المستحقات إلى حصص شراكة للبنك المركزي في معظم البنوك التجارية وبالتالي وقع في تضارب المصالح حيث لا يصح أن تكون البنوك المركزية شريكا في البنوك التجارية وفي نفس الوقت رقيبا عليها. 
  3. أحدثت تجربة الصيرفة الإسلامية تغييرات سلبية على الصعيدين الرقابي والقانوني معا الحاكمة للقطاع المالي من تعدد هيئات الرقابة وتعدد القوانين واللوائح مما أسهم في إضعاف القطاع المالي. وبرغم أسلمة النظام المصرفي بالكامل إلا أن المنتجات الإسلامية التي تقدمها المصارف كالمرابحة والمضاربة والمشاركة والسلم وغيرها حتي اليوم غير منصوص عليها لا في قانون بنك السودان لعام 2002م المعدل 2012م أو قانون تنظيم العمل المصرفي لعام 2004م أو قانون المعاملات المدنية لعام 1984م. وباستثناء قانون بنك السودان وقانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب لعام 2014م وقانون جرائم المعلوماتية لسنة 2007م فإن كل القوانين الأخرى البالغة 6 قوانين منشورة في موقع بنك السودان يجب إلغائها ودمجها في قانون بنك السودان بعد تعديله. وأن كل قائمة اللوائح البالغة 8 لوائح منشورة أيضا في موقع بنك السودان يجب إلغائها وإصدارها في شكل خمسة كتيبات تعليمات تنفيذية تصدر من البنك المركزي نفسه كأعلى سلطة نقدية بصلاحيات تُخَوَل له ضمن قانون بنك السودان نفسه الأول: يشتمل علي التعليمات التنفيذية للرقابة علي المصارف بديلا لقانون تنظيم العمل المصرفي لعام 2004م والثاني: يشتمل علي التعليمات التنفيذية لشركات التمويل (بما فيها شركات الإجارة) والثالث: للتعليمات التنفيذية لشركات الاستثمار والرابع: للتعليمات التنفيذية لشركات الصرافة والخامس: للتعليمات التنفيذية لشركات التأمين (حيث أن قطاع التأمين هو أحد أهم القطاعات المالية التي يجب أن تكون تحت رقابة وإشراف البنك المركزي). فهذه القطاعات المالية حسب الأعراف الدولية يتم تضمينها في قانون بنك السودان بموجب مواد خاصة تَصدُر بموجبها تعليمات تنفيذية من بنك السودان كسلطة مخولة للرقابة والإشراف عليها. باعتبار أن التعليمات التنفيذية يسهل تعديلها أو الإضافة إليها كلما دعت الحاجة لذلك عكس القوانين والتي بحكم طبيعتها وآليات اعتمادها من عدة جهات تنفيذية وتشريعية يصعب تعديلها على المدي القصير أو كلما دعت الحاجة لذلك. ومن المهم أن تشتمل هذه التعليمات التنفيذية علي باب خاص بمنح التراخيص الجديدة للبنوك ولأفرع البنوك الأجنبية، وتجديد التراخيص بالإضافة إلي أبواب خاصة بالحوكمة ونهج إدارة البنوك والمؤسسات المالية، ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وأنظمة الدفع والشمول المالي، وإدارة المخاطر، والشروط الحاكمة للتعامل مع ودائع العملاء وضمانها وشروط الائتمان للأفراد والمؤسسات وغيرها من الكيانات القانونية، والنسب الخاصة بالإشراف والرقابة علي البنوك والمؤسسات المالية، وغيرها من الضوابط والأسس التي تحكم كل أنشطة البنوك والمؤسسات المالية. 
  4. تجاهل بنك السودان منذ منتصف عقد التسعينات استخدام الأدوات المعروفة في إدارة السياسة النقدية والتحكم في عرض النقد ممثلة في سعر الفائدة، الاحتياطي الإلزامي، وسياسة سعر الخصم وركز على استخدام آلية “عمليات السوق المفتوحة” حيث أصبح التوسع في إصدارات شهادات شهامة وغيرها من الصكوك الإسلامية سياسة رئيسية لتمويل إنفاق الدولة الأمني والعسكري وعلى مخصصات أجهزتها الحكومية المترهلة وليس كما يدعي بنك السودان كوسيلة للتحكم في عرض النقد. فهي بجانب كونها سياسة تزيد حجم الدين العام فإنها أيضا تسهم في زيادة عرض النقود وفي إضعاف مراكز السيولة لدي البنوك التجارية وتعريضها بموجب التعليمات الإلزامية الصادرة عن بنك السودان نفسه لمخاطر تراجع قيمة هذه الشهادات والصكوك الإسلامية وعدم قابليتها للتسييل الفوري حيث يفرض البنك المركزي على البنوك التجارية الاحتفاظ بنسبة 30% من أصولها المتداولة في شكل شهادات شهامة وغيرها من الصكوك الإسلامية وعندما يستحق موعد استحقاقها يطلب منها تمديد فترة الاستحقاق في كثير من الأحيان. وبالتالي فقد تراكمت مستحقات البنوك التجارية علي بنك السودان لتصل إلي حوالي 281 مليار جنيه (العرض الاقتصادي والمالي 30 سبتمبر 2020م، الميزانية الموحدة للبنوك التجارية) عبارة عن مستحقات صكوك الاستثمار الإسلامية، احتياطيات الزامية، واحتياطيات أخري، ومستحقات تمويل الأمر الذي أضعف مراكز السيولة لدي البنوك التجارية لمستويات غير مسبوقة في الوقت الحالي وكادت تطيح بها خلال الأعوام 2017م و2018م وتبرز جليا في الوقت الحالي في عدم قدرة البنوك علي توفير السيولة المحلية الكافية لتلبية تحويلات العملات الصعبة من الخارج والداخل بعد قرار تعويم سعر الصرف وتشهد صالات البنوك اكتظاظا وازدحاما واحتجاجات يومية من المستفيدين من تلك التحويلات غير القابلة للصرف. فالكتلة النقدية المتداولة في البلد ككل حسب المصدر المشار إليه سابقا بلغت حوالي 433 مليار جنيه منها حوالي 24.9 مليار جنيه لدي البنوك تمثل 6% فقط من إجمالي الكتلة المتداولة و408 مليار جنيه لدي الجمهور خارج القطاع المصرفي تمثل 94% من إجمالي الكتلة المتداولة. علما بأن هنالك كميات ضخمة من النقود غير المشروعة موجودة في البلد تتكشف بشكل مستمر من خلال حملات الشرطة والبلاغات المدونة بضبط مليارات النقود المزورة في الخرطوم والعديد من مدن السودان الكبري. هذا فضلا عن النقود غير المشروعة التي يتم تجميعها في الخارج من قبل كبار المستوردين من تجار العملة من المغتربين والمهاجرين ويتم الاحتفاظ بها في حساباتهم في الخارج ويستخدم جزء كبير منها في شكل واردات سلعية للسودان وتدخل ضمن الكتلة النقدية خارج البنوك ولا يكون بنك السودان قادرا على حصرها أو تحديد حجمها وبالتالي فإنه حتى الكتلة النقدية المعلنة من البنك المركزي الموجودة خارج القطاع المصرفي والبالغة حسب تقديراته 433 مليار جنيه تعتبر تقديرات غير دقيقة.

وإذا قمنا باستخدام البيانات المتوفرة في موقع بنك السودان المركزي استنادا للتقرير السنوي لسنة 2019م (حيث أن تقرير عام 2020م حتي الآن لم يتم نشره) لحساب كمية النقود المتداولة في البلد وفقا لنظرية كمية النقود نموذج معادلة فيشر القائلة بأن كمية النقود مضروبة في سرعة دوران النقود تساوي كمية السلع والخدمات مضروبة في أسعار السلع والخدمات لتبين لنا أن كمية النقود الموجودة في البلد أعلي بكثير من الكتلة النقدية المعلنة في تقارير البنك المركزي والبالغة 295 مليار جنيه (التقرير السنوي لبنك السودان المركزي لعام 2019م). ويتم التعبير عن معادلة فيشر ب (Mv = Pt) حيث M هي كمية النقود وv هي معدل سرعة دوران النقود وt هي كمية السلع والخدمات وP هي أسعار السلع وبالتالي فإن حساب كمية النقود M يتم بالمعادلة (M = Pt/v). ونسبة لأن كمية السلع والخدمات في تقرير بنك السودان المشار إليه غير معلنة فقد استعضنا عن (Pt) أو (كمية السلع والخدمات مضروبة في الأسعار) بقيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية باعتباره الحصيلة الفعلية لكمية السلع والخدمات في البلد مضروبة في فئات أسعارها الجارية لتصبح المعادلة (M = GDP/v) أي أن (كمية النقود = الناتج المحلي الإجمالي / معدل سرعة دوران النقود). وبما أن الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019م هو 1,950,330.2 مليون جنيه أي 1.95 تريليون جنيه تقريبا وأن معدل سرعة دوران النقود في نفس العام هو 2.33 مرة (بنك السودان، التقرير السنوي 2019م) فإن كمية النقود الحقيقية في البلد تصبح حوالي 837 مليار جنيه (1,950,330,200,00/2.33 = 837,051,587,983) أي ما يعادل 18.6 مليار دولار بسعر صرف البنك للدولار في ذلك الوقت أي في نهاية ديسمبر 2019م والبالغ 45 جنيه للدولار الواحد. وبما أن إجمالي الكتلة النقدية الإجمالية الموجودة في البلد المعلنة من بنك السودان المركزي حسب تقريره السنوي للعام 2019م هي 295 مليار جنيه (تعادل 6.6 مليار دولار بسعر 45 جنيه للدولار الواحد ذلك الوقت) فإن الفرق بين كمية النقود الحقيقية المتداولة في البلد البالغة 837 مليار جنيه والمحسوبة وفقا لمعادل كمية النقود وبين نظيرتها المعلنة في تقارير البنك المركزي هي 542 مليار جنيه تعادل حوالي 12 مليار دولار بسعر 45 جنيه للدولار الواحد. وهذا الفرق ليس له أي محل من الإعراب ولا أي أرقام تسنده وتثبته وبالتالي فإن هذا الفرق يمثل باختصار شديد جدا النقود القذرة المتداولة في البلاد الناتجة عن تزييف العملة وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب والتي تبين بالفعل حجم الفساد والجرائم المالية المحاربة عالميا التي تتم في السودان أمام نظر بنك السودان المركزي وأمام السلطة الانتقالية علما بأن بيانات التقرير السنوي للعام 2020م عندما تصدر ستبين وضع أسوأ من ذلك بكثير. ليس هذا فحسب فإذا استخدمنا نفس منطق الحسابات أعلاه للوصول لمعدل التضخم النقدي الحقيقي الذي يعِّبر عن زيادة كمية النقود المتداولة في البلاد عن كمية السلع والخدمات المنتجة في البلد مع ثبات العوامل الأخري على ما هي عليه سنجد أن كمية النقود في البلد ذلك الوقت تمثل 872 ضعف كمية السلع والخدمات المنتجة في البلد. فإذا كان الناتج المحلي الإجمالي كما هو مذكور سابقا يبلغ 1,959,330,200,000 جنيه وأن متوسط أسعار المستهلك عام 2019م هو 2,031 جنيه حسب متوسط بيانات البنك المركزي للعام 2019م (بنك السودان، التقرير السنوي، 2019م) فإن كمية السلع والخدمات المنتجة في البلد عام 2019م تبلغ 960,323,733 وحدة (1,950,330,200,000/2,031 = 960,323,733) وبالتالي إذا قسمنا كمية النقود الحقيقية المتداولة في البلد المحتسبة سابقا والبالغة 837,051,587,983 جنيه عام 2019م علي 960,323,733 وحدة التي تمثل كمية السلع والخدمات المنتجة في البلد في نفس العام 2019م نجد أنها تساوي 872 ضعف أي أن معدل التضخم المعلن في بيانات البنك المركزي في ديسمبر 2019م والبالغ 57% (بنك السودان، التقرير السنوي 2019م، صفحة 138) وأيضا المعلن في إبريل 2021م الحالي من قبل الجهاز المركزي للإحصاء والبالغ 341% هي معدلات غير حقيقية وأن الطريقة التي يحتسب بها الجهاز المركزي للإحصاء معدلات التضخم برغم صحتها فهي تحتاج لمراجعات أو تعديلات بحيث تأخذ في الاعتبار أثر زيادة كمية النقود المتداولة في البلد عن كمية السلع والخدمات المنتجة في البلد.

[email protected]

تابعونا في الحلقات القادمة

‫2 تعليقات

  1. اشكرك على هذا التقرير الذي لم أستطع اكماله مع انه ممتاز.

    النظام المصرفي في السودان قوي فقط يحتاج للتنظيم والبنك يمكن أن يوفر نظامين إسلامي وعالمي كما يطلب العميل الأمر بسيط مع الحوسبة والكمبيوتر.

  2. للاسف البنوك السودانية مليانة كيزا ن يجب تطهير البنوك منهم اولا لانهم ليس لديهم اخلاق ولا وطنية ومعظمهم تجار عملة ومدمربن للاقتصاد السوداني واليوم نرئ المماطلة في البنوك في تسليم حوالات المغتربين وانا عندي حوالة من المملكة الي بنك الخرطوم من يوم 26 حتي الان لم تصل نرجو من وزارة المالية حسم هؤلاء الاوقاد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..