قلبها لايسع (حباً) واحداً ومحفظتها تتسع لكل الحبايب

(1)

(أنت من زمن الحب ).! عبارة يرددها الشباب من الجنسين ! رغم أن الحب ليس له زمان محدد، بل هو سنة كونية وُجدت بوجود الكون وسوف تستمر باستمراره، وهو سر من الأسرار الربانية وليس للبشر خيار فيه، فهو حين يأتي لا يطرق الأبواب بل يقتحمها دون استئذان ويجعلنا أسرى له ! ولكن يبقي الفارق ما بين الحب واللاحب هو سبب " البلاوي" ! فالزيف أصبح هو المسيطر على غالبية العلاقات، ومن عاشوا ذلك الزيف أو كانوا ضحايا له هم من آمنوا بمنطق أن زمن الحب قد ولَّى ! وكان طبيعياً أن يحدث ذلك في زمن التخبط العاطفي ولاوعي المشاعر.

(2)

كانت ترافق ذلك الشاب قبل أن تصعد الحافلة " الهايس" بيد أنه لم يصعد معها وذهب ليكمل حديثه من الخارج عبر الشباك التي جلست بجواره … كانا يتحدثان حديثاً هامساً ووجهاهما يبعدان بضع سنتيمترات عن بعضيهما، في منظر يثير الاشمئزاز، ولسوء حظي كنت أقرب المشاهدين بحكم جلوسي بجوار فتاتنا في المقعد الخلفي… وسرعان ما ودعها بعد ان امتلأت الحافلة وأصبحت مستعدة للتحرك.

(3)

وقبل أن تبتعد الحافلة أمتاراً معدودات من صاحبنا الذي ما زال يلوح بالوداع كانت هي قد أدخلت يدها داخل حقيبتها وأخرجت محفظة صغيرة بداخلها عدد من الشرائح ! استبدلت الشريحة التي كانت داخل هاتفها بأخرى من تلك الشرائح وقامت بعمل مسكول، وما إن أنزلت الهاتف من أذنها إلا ورن جرسه ! لم أسمع ماذا كان يقول لها من الطرف الآخر، ولكن سمعت ردها بأن هاتفها كان مغلقاً بسبب البطارية وليس لديها شاحن! ثم بعد ذلك واصلت معه حديثاً هامساً وأنهت المكاملة. أخرجت شريحة أخرى من تلك المحفظة وقامت باستبدالها بتلك التي كانت تتحدث بها قبل لحظات! كررت ذات المشهد، وكان العذر ذاته أن هاتفها كان مغلقاً بسبب البطارية وليس لديها شاحن ثم أنهت المكالمة بعد حديث قليل معه.. لم ينته بعد مسلسل استبدال الشرائح، وهذه المرة كررت المسكولات ولكن دون رد.

(4)

كانت الحافلة قد اقتربت هذه المرة من محطتها الأخيرة بجوار الإستاد، فكان استبدال الشريحة هذه المرة على ما يبدو بالشريحة الأولى التي تتعامل بها مع ذلك الشخص الذي ودعها قبل لحظات عند محطة الابتداء حيث كانت تريد أن تطمئنه، فقالت له نحنا خلاص وصلنا الإستاد لكن لو ضربت لي ولقيت تلفوني مقفول حيكون من البطارية ! ونحن نتهيأ للنزول حيث توقفت الحافلة كانت تلك الفتاة قد استبدلت تلك الشريحة مواصلة مشوارها مع المسكولات ! لم أشعر بتلك المسافة، حيث كنتُ مندهشاً مما يدور بجواري ! وهي أيضاً لم تشعر بتلك المسافة التي لم تسعفها لتكملة شرائحها التي تحملها في محفظتها الصغيرة ! ولكن ما جعلني أكثر اندهاشاً أن تلك الفتاة لم تشعر حتى بالركاب من حولها! فعملية استبدال الشرائح بهذه الصورة المكررة والتحدث بهذه الطريقة داخل مركبة عامة كله مما يلفت انتباه الناس حتى لو كانوا صماً وعمياً ولكن يبدو أنها لا تأبه بهم ولا تهتم.

(5)

نزلت من تلك الحافلة بعد أن أدركت أن هذه الفتاة لها قلب لا يسع حباً واحداً بينما لها محفظة صغيرة تسع كل الحبايب! على شاكلة تلك الفتاة التي ذهبت للمكتبة لشراء هدية لحبيبها بمناسبة عيد الحب فأشارات إلى صاحب المكتبة على ذلك الكرت المكتوب عليه الى حبيبي الوحيد بأن يعطيها منه خمسة كروت! ما أثار فضولي هل جميع الذين تحدثت معهم ضحايا لحبها أي هل هم يبادلونها نفس اللعبة ولهم مآرب أخرى معها ؟ تمنيت أن أشاهد النهاية لأعرف من هو الخاسر ! ومن هو الرابح ؟! أم أنهم جميعاً خاسرون ؟! ولكن الشيء الوحيد الذي عرفته أن هؤلاء هم من صنعوا لنا عبارة ( انت من زمن الحب).!

الحب أحياناً يأخذ دون أن يعطي! ورغم ذلك يظل دوماً سلطاناً علينا وحكمه نأخذ، فقد دفع شاعرنا المرهف إدريس جماع بكل ما عنده من حب بيد إلا أنه لم يجنِ منه شيئاً! بل أخذ الحب كل ما عنده وأغلى ما عنده ! وبكل ما قاساه وعاناه من الحب فإن هذا الشاعر الرقيق الشفاف لم يقل إن زمن الحب قد مضى، بل قال ( إنه الحب) :

في ربيع الحب كنا نتساقى ونغني

نتناجى ونناجي الطير من غصنٍ لغصن

ثم ضاع الأمس مني

وانطوت بالقلب حسرة

إننا طيفان في حلم سماوي سرينا

واعتصرنا نشوة العمر ولكن ما ارتوينا

إنه الحب فلا تسأل ولا تعتب علينا

كانت الجنة مأوانا فضاعت من يدينا

ثم ضاع الأمس مني

وانطوت بالقلب حسرة

أطلقت روحي من الأشجان ما كان سجينا

أنا ذوَّبت فؤادي لك لحناً وأنينا

فارحم العود إذا غنوا به لحناً حزينا

ثم ضاع الأمس مني

وانطوت بالقلب حسرة

ليس لي غير ابتساماتك من زاد وخمر

بسمة منك تشع النور في ظلمات دهري

وتعيد الماء والأزهار في صحراء عمري

ثم ضاع الأمس مني

وانطوت بالقلب حسرة.

بحري: عاطف عوض
صحيفة الحقيقة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..