مقالات سياسية

عالم الظلام

د. مقبول التجاني

عالم الظلام و الظلال، و غياب المعني، أو عالم الشيطان، يسقط في داخله وعي الإنسان عندما يعجز عن مقاومة قصوره الذاتي، و يستسلم له تماماً، و يترك محاولة إيجاد النور المجازي و المَعنَي، و ينغمس بكلياته في الصراع الإجتماعي لإرضاء الأنا الذاتية و الغرائز الدنيا، من غير معنَي و هدف و هُدي و بصيرة، و يتحول الشخص عملياً الي مجرد حيوان ناطق، أو أضل سبيلا.

بعد ذلك، قد يحاول ذلك الحيوان الناطق، أو الشخص المنغمس في الصراع الاجتماعي الأعمي، الي تغليف صراعاته من أجل الثروة و السلطة و الغرائز البدائية و إرضاء الأنا الذاتية، بغلاف من القيم الأخلاقية أو الدينية المتوهمة، لمحاولة إعطاء شرعية لها و جعلها منطقية.

أما الانسان السيد علي نفسه، فهو المتحكم بغرائزه، و الذي يسمو فوق ظلام الأنا الذاتية، و لا تحجب عنه الرؤية الموضوعية ظلال الأفكار و التجارب السابقة السالبة، و يعرف متي ينكمش علي ذاته لتغذيتها، و متي ينفتح علي الاخرين عطاءاً و محبة، مثل عمليتي الشهيق و الزفير، لدخول و خروج الأكسجين أثناء التنفس من أجل الحياة.

من الثابت لدينا أن الأفكار تسبق الأعمال، و أن الغرائز و الرغبات و الحاجات تسبق الأفكار و المنطق، و أن جميع أفكار الشخص تتولد في حياته اليومية متمحورة حول رغباته و غرائزه السائدة و الأنا الذاتية، من أجل الإشباع الذاتي.

لذلك لكي يتم تغيير الأعمال و الأفكار، لا بد من تغيير الغرائز و الرغبات السائدة، بتهذيبها، و ميلاد و سيادة غريزة و رغبة من نوع جديد، و هي غريزة و رغبة البحث عن المعني، و التي تعتبر الرغبة الوحيدة القادرة علي إشباع و إسعاد الإنسان بصورة دائمة، و جعله يعيش في حالة تناغم و سلام مع البيئة المحيطة و الاخرين.

بهذا يتحول المعني الإيجابي الي بذرة في حياة الانسان، و التي تنتج عنها بعد ذراعتها شجرة أفكار طيبة، و من ثم أعمال إيجابية مثمرة و خيرة، تسعد الانسان المُصلح و من حوله، و تحقق له الرفاه و التقدم، و لا تضر بالآخرين.

أيضا المعني السلبي ينتج عنه شجرة أفكار سلبية خبيثة و شريرة، و من ثم ثمار أعمال سلبية و سيئة و مُضرة، لا تحقق السعادة للإنسان الشقي الذي يقوم بذراعتها، و تضر بالآخرين المحيطين به من حوله.

هناك مقولة شائعة أن الشيطان يكمن في التفاصيل، و تلك التفاصيل بالنسبة لي تمثل تفاعلات المساحة في الفراغ الزمكاني بينك و بين الآخر، أو بين الأشخاص المتعددين، و التي تجري فيها عمليات التفاعلات الإجتماعية اليومية المختلفة في الفضاء العام.

من هنا أيضاً، يمكن إعتبار أن الشيطان، أو المُقاوم، هو المسافة المُظلمة في محاولة الفهم، بين وعيك الذاتي و بين وعي الآخر الإنساني، و الذي هو عبارة عن نسخة محتملة و تمظهر مَعنَي لك، في بعد زماني و مكاني و حركي آخر.

لكي تستطيع تخطي الشيطان عملياً، في أي حركة و أي تعامل تقوم به في حياتك اليومية مع الآخرين، لا بد لك أن تتحد مع الآخر الإنساني، بإزالة مسافة الفراغ الشيطاني التي تقف بينك و بين الآخر، و التي تُغذي الشكوك و الظنون و المخاوف، و الأفكار السالبة المُختلفة.

كذلك النوايا الطيبة الصادقة الايجابية، المبنية علي فكرتي الإحترام و العطاء للآخر، بدلا عن الأخذ منه، تنجيك من الوقوع في براثن الفراغ الشيطاني، و ظلماته، و حالة غياب المَعنَي.

حالة تأرجح الإنسان الدائمة، بين عالم النور و عالم الظلام، أو بين منزلتَي إدراك المعني و إختفاء المَعنَي، revealation and concealment ،
يمكن أن تتأثر فيها المدة التي يقضيها الإنسان في كل منزلة منهما، بطريقة تفكير الإنسان و سلوكه اليومي.

علي الإنسان أن يدرك، أن فِكرة جديدة جيدة، واحدة فقط، قد تكون قادرة علي تغيير حياته و ظروفه المُحيطة به، بصورة هائلة دراماتيكية، و لذلك علينا محاولة ضبط أفكارنا عند الظروف العصيبة و الأوقات المُظلمة.

فيما يلي بعض الأسرار الرُوحية، و الأفكار، التي قد تمكننا من تخطي الأوقات المُظلمة بسرعة، و الخروج من عالم الظِلال و الظَلام الي عالم النُور و المَعنَي:

١. الحياة بصدق مع النفس، و عمل ما ينبغي فِعله في أحلك الظروف.

٢. الثقة و اليقين في أن القادم أحسن، و أن هناك نور مَعنَي و فَرَج في نهاية النَفَق المُظلم.

٣. الإلتحام بالطاقة الحياتية اليومية، و مُمارسة المَهام المطلوبة، و التخلص من وعي الضحية.

٤. دفع النفس خارج المنطقة المُريحة، لمشاركة و مساعدة الآخرين، و بَزل المجهود اللازم.

عالم الظلام.
الفصل ١٨ من كتابي: علمنة الدين و علمنة التصوف.
الصادر من دار نور للنشر في ألمانيا.

د. مقبول التجاني
[email protected]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..